﴿إن الله﴾ أي: الذي له جميع صفات الكمال ﴿بعباده لخبير﴾ أي: عالم أدق العلم وأتقنه ببواطن أحوالهم ﴿بصير﴾ أي: بظواهر أمورهم وبواطنها أي: فهو يسكن الخشية والعلم في القلوب على قدر ما أوتوا من الكتاب في علمه، فأنت أحقهم بالكمال؛ لأنك أخشاهم وأتقاهم فلذلك آتيناك هذا الكتاب المعجز الذي هو عيار على سائر الكتب، وتقديم الخبير للدلالة على أن العمدة في ذلك الأمور الروحانية وقوله تعالى:
﴿ثم أورثنا الكتاب﴾ في معناه وجهان: أحدهما: إنا أوحينا إليك القرآن ثم أورثناه من بعدك أي: حكمنا بتوريثه أو قال تعالى ﴿أورثنا﴾ وهو يريد نورثه فعبر عنه بالماضي لتحققه وقال مجاهد: أورثنا أعطينا؛ لأن الميراث إعطاء واقتصر على هذا الجلال المحلي، وقيل: أورثنا أخرنا ومنه الميراث؛ لأنه تأخر عن الميت ومعناه: أخرنا القرآن من الأمم السالفة وأعطيناكموه وأهلناكم له.
تنبيه: أكثر المفسرين على أن المراد بالكتاب القرآن، وقيل: إن المراد جنس الكتاب ﴿الذين اصطفينا﴾ أي: اخترنا ﴿من عبادنا﴾ قال ابن عباس رضي الله عنه: يريد بالعباد أمة محمد ﷺ أي: من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم إلى يوم القيامة، ونقل ابن الجوزي عن ابن عباس رضي الله عنه أن الله تعالى أورث أمة محمد ﷺ كل كتاب أنزله أي: لأن الله تعالى اصطفاهم على سائر الأمم وجعلهم أمة وسطاً ليكونوا شهداء على الناس، وخصهم بكرامة الانتماء إلى أفضل رسله تعالى، وحمل الكتاب الذي هو أفضل كتب الله تعالى، ثم قسمهم بقوله تعالى: ﴿فمنهم ظالم لنفسه﴾ أي: في التقصير بالعمل به ﴿ومنهم مقتصد﴾ أي: يعمل به في أغلب الأوقات ﴿ومنهم سابق بالخيرات﴾ وهو من يضم إلى العمل به التعليم والإرشاد إلى العمل.
(٩/١١٢)
---


الصفحة التالية
Icon