ولما كان ذلك الأمر ربما أوهم الاقتصاد على ما ذكر من أحوال الآدميين دفع ذلك بقوله تعالى: ﴿وكل شيء﴾ من أمور الدنيا والآخرة ﴿أحصيناه﴾ أي: قبل إيجاده بعلمنا القديم إحصاء وحفظاً وكتبناه ﴿في إمام﴾ وهو اللوح المحفوظ ﴿مبين﴾ أي: لا يخفى فيه شيء من جميع الأحوال والأقوال فهو تعميم بعد تخصيص؛ لأنه تعالى يكتب ما قدموا وآثارهم وليست الكتابة مقتصرة عليه بل كل شيء محصي في إمام مبين، وهذا يفيد أن شيئاً من الأقوال والأفعال لا يعزب عن علم الله تعالى ولا يفوته كقوله تعالى ﴿وكل شيء فعلوه في الزبر وكل صغير وكبير مستطر﴾ (القمر: ٥٢ ـ ٥٣)
يعني ليس ما في الزبر منحصراً فيما فعلوه بل كل شيء مكتوب لا يبدل، فإن القلم جف بما هو كائن فلما قال تعالى ﴿نكتب ما قدموا﴾ بين أن قبل ذلك كتابة أخرى، فإن الله تعالى كتب عليهم أنهم سيفعلون كذا وكذا، ثم إذا فعلوا كتب عليهم أنهم فعلوه، قيل: إن ذلك مؤكد لمعنى قوله تعالى ﴿ونكتب﴾؛ لأن من يكتب شيئاً في أوراق ويرميها قد لا يجدها فكأنه لم يكتب فقال تعالى: نكتب ونحفظ ذلك في إمام مبين وهو كقوله تعالى ﴿علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى﴾ (طه: ٥٢)
وقوله سبحانه وتعالى:
(٩/١٤٠)
---
﴿واضرب﴾ بمعنى واجعل ﴿لهم﴾ وقوله تعالى ﴿مثلاً﴾ مفعول أول، وقوله تعالى: ﴿أصحاب﴾ مفعول ثان والأصل: واضرب لهم مثلاً مثل أصحاب ﴿القرية﴾ فترك المثل وأقيم الأصحاب مقامه في الإعراب كقوله تعالى ﴿واسأل القرية﴾ (يوسف: ٨٢)
(٩/١٤١)
---
قال الزمخشري: وقيل لا حاجة إلى الإضمار بل المعنى: اجعل أصحاب القرية لهم مثلاً، أو مثل أصحاب القرية بهم قال المفسرون: المراد بالقرية أنطاكية وقوله تعالى ﴿إذ جاءها﴾ إلخ بدل اشتمال من أصحاب القرية أي: إذ جاء أهلها ﴿المرسلون﴾ أي: رسل عيسى عليه السلام وإضافة إلى نفسه في قوله تعالى: