كما في السيرة وغيرها: لما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن مقيلهم يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله تعالى بنا لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله تبارك وتعالى: فأنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى على رسوله ﷺ ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً﴾ (آل عمران: ١٦٩)، وفي التمثيل بهذه القصة إشارة إلى أن في قريش من حتم بموته على الكفر ولم ينقص ما قضى له من الأجل، فالله سبحانه يؤيد هذا الدين بغيرهم لتظهر قدرته وحكمته:
(٩/١٥٤)
---
﴿وما أنزلنا﴾ بما لنا من العظمة ﴿على قومه﴾ أي: حبيب ﴿من بعده﴾ أي: من بعد إهلاكه أو رفعه ﴿من جند من السماء﴾ لإهلاكهم كما أرسلنا يوم بدر والخندق بل كفينا أمرهم بصيحة ملك، وفيه استحقار بإهلاكهم وإيماء بتعظيم الرسول ﷺ وإلا لكان تحريك ريشة من جناح ملك كافياً في استئصالهم، فإن قيل: ما فائدة قوله تعالى ﴿من بعده﴾ وهو تعالى لم ينزل عليهم من قبله؟ أجيب: بأن استحقاق العذاب كان بعده حيث أصروا واستكبروا فبين حال الإهلاك بقوله تعالى: ﴿وما كنا منزلين﴾ أي: ما كان ذلك من سنتنا وما صح في حكمتنا أن يكون عذاب الاستئصال بجند كثير.
﴿إن﴾ أي: ما ﴿كانت﴾ أي: الواقعة التي عذبوا بها ﴿إلا صيحة﴾ صاحها بهم جبريل عليه السلام فماتوا عن آخرهم وأكد أمرها وحقق وحدتها بقوله تعالى: ﴿واحدة﴾ أي: لحقارة أمرهم عندنا ثم زاد في تحقيرهم ببيان الإسراع في الإهلاك بقوله تعالى: ﴿فإذا هم خامدون﴾ أي: ثابت لهم الخمود ما كأنهم كانت بهم حركة يوماً من الدهر شبهوا بالنار رمزاً إلى أن الحي كالنار الساطعة والميت كرمادها كما قال لبيد:
*وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ** يصير رماداً بعد إذ هو ساطع*
وقال المعري:
*وكالنار الحياة فمن رماد ** أواخرها وأولها دخان*