قال المفسرون: أخذ جبريل عليه السلام بعضادتي باب المدينة ثم صاح بهم صيحة واحدة فماتوا ﴿يا حسرة على العباد﴾ أي: هؤلاء ونحوهم ممن كذبوا الرسل فأهلكوا وهي شدة التألم ونداؤها مجاز أي: هذا أوانك فاحضري، ثم بين تعالى سبب الحسرة والندامة بقوله تعالى: ﴿ما يأتيهم من رسول﴾ أي رسول كان في أي وقت كان ﴿إلا كانوا به﴾ أي: بذلك الرسول ﴿يستهزؤن﴾ والمستهزئ بالناصحين المخلصين أحق أن يتحسر ويتحسر عليه، وقيل: يقول الله تعالى يوم القيامة ﴿يا حسرة على العباد﴾ حين لم يؤمنوا بالرسل.
ولما بين تعالى حال الأولين قال للحاضرين:
(٩/١٥٦)
---
﴿ألم يروا﴾ أي: أهل مكة القائلين للنبي ﷺ لست مرسلاً، والاستفهام للتقرير أي: اعلموا وقوله تعالى ﴿كم﴾ خبرية بمعنى كثيراً وهو مفعول لأهلكنا تقديره: كثيراً من القرون أهلكنا وهي معمولة لما بعدها معلقة ليروا عن العمل ذهاباً بالخبرية مذهب الاستفهامية والمعنى: أما ﴿أهلكنا قبلهم﴾ كثيراً ﴿من القرون﴾ أي: الأمم، قال البغوي: والقرن أهل كل عصر سموا بذلك لاقترانهم في الوجود ﴿أنهم﴾ أي: المهلكين ﴿إليهم﴾ أي: إلى أهل مكة ﴿لا يرجعون﴾ أي: لا يعودون إلى الدنيا أفلا يعتبرون، وقيل: لا يرجعون أي: الباقون لا يرجعون إلى المهلكين بسبب ولا ولادة أي: أهلكناهم وقطعنا نسلهم ولا شك أن الإهلاك الذي يكون مع قطع النسل أتم وأعم، قال ابن عادل: والأول أشهر نقلاً. والثاني: أظهر عقلاً. وقوله تعالى:
﴿وإن﴾ نافية أو مخففة وقوله تعالى ﴿كل﴾ أي: كل الخلائق مبتدأ وقرأ ﴿لما﴾ ابن عامر وعاصم وحمزة بتشديد الميم بمعنى إلا، والباقون بالتخفيف واللام فارقة وما مزيدة وقوله تعالى ﴿جميع﴾ أي: مجموعون خبر أول ﴿لدنيا﴾ أي: عندنا في الموقف بعد بعثهم وقوله تعالى ﴿محضرون﴾ أي: للحساب خبر ثان وما أحسن قول القائل:
*ولو أنا إذا متنا تركنا ** لكان الموت راحة كل حيّ*
*ولكنا إذا متنا بعثنا ** ونسأل بعدها عن كل شيء*