﴿ونفخ في الصور﴾ أي: القرن النفخة الثانية للبعث وبين النفختين أربعون سنة. ولما كان هذا النفخ سبباً لقيامهم عنده من غير تخلف عبر تعالى بما يدل على التعقب والتسبب والفجأة بقوله تعالى: ﴿فإذا هم﴾ أي: حين النفخ ﴿من الأجداث﴾ أي: القبور واحدها جدث المهيأة هي ومن فيها لسماع ذلك النفخ، فإن قيل: كيف يكون ذلك الوقت أجداث وقد زلزلت الصيحة الجبال؟ أجيب: بأن الله تعالى يجمع أجزاء كل ميت في الذي قبر فيه فيخرج من ذلك الموضع وهو جدثه ﴿إلى ربهم﴾ أي: إلى الموقف الذي أعده لهم من أحسن إليهم بالتربية ﴿ينسلون﴾ أي: يسرعون المشي مع تقارب الخطا بقوة ونشاط فيا لها من قدرة شاملة وحكمة كاملة حيث كان صوت واحد يحيي تارة ويميت أخرى.u
فإن قيل: المسيئ إذا توجه إلى من أحسن إليه يقدم رجلاً ويؤخر أخرى والنسلان سرعة المشي فكيف يوجد منهم؟ أجيب: بأنهم ينسلون من غير اختيارهم، فإن قيل: قال في آية أخرى ﴿فإذا هم قيام ينظرون﴾ (الزمر: ٦٨)
وقال ههنا ﴿فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون﴾ والقيام غير النسلان وقوله تعالى في الموضعين ﴿إذا هم﴾ يقتضي أن يكونا معاً؟ أجيب: بأن القيام لا ينافي المشي السريع؛ لأن الماشي قائم ولا ينافي النظر وبأن ذلك لسرعة الأمور كان الكل في زمان واحد كقول القائل:
* ** مكر مفر مقبل مدبر معاً*
واعلم أن النفختين يورثان تزلزلاً وانقلاباً للأجرام فعند اجتماع الأجرام يفرقها وهو المراد بالنفخة الأولى وعند تفرق الأجرام يجمعها وهو المراد النفخة الثانية.
ولما تشوقت النفوس إلى ما يقولون إذا عاينوا ما كانوا ينكرون استأنف قوله تعالى:
﴿قالوا﴾ أي: الذين هم من أهل الويل ﴿يا﴾ للتنبيه ﴿ويلنا﴾ أي: هلاكنا وهو مصدر لا فعل له من لفظه ﴿من بعثنا من مرقدنا﴾ قال أبي بن كعب وابن عباس وقتادة: إنما يقولون هذا؛ لأن الله تعالى يرفع عنهم العذاب بين النفختين فيرقدون فإذا بعثوا بعد النفخة الأخيرة وعاينوا القيامة دعوا بالويل.