(٩/١٧٣)
---
وقال أهل المعاني: إن الكفار إذا عاينوا جهنم وأنواع عذابها دعوا بالويل وصار عذاب القبر في جنبها كالنوم فعدوا مكانهم الذي كانوا فيه مع ما كانوا فيه من عذاب البرزخ مرقداً هيناً بالنسبة إلى ما انكشف لهم من العذاب الأكبر فقالوا: من بعثنا من مرقدنا، فإن قيل: ما وجه تعلق من بعثنا من مرقدنا بقولهم يا ويلنا؟ أجيب: بأنهم لما بعثوا تذكروا ما كانوا يسمعون من الرسل عليهم الصلاة والسلام فقالوا: يا ويلنا أبعثنا الله البعث الموعود به أم كنا نياماً فنبهنا؟ كما إذا كان الإنسان موعوداً بأن يأتيه عدو لا يطيقه، ثم يرى رجلاً هائلاً يقبل عليه فيرتجف في نفسه ويقول: أهذا ذاك أم لا؟ ويدل على هذا قولهم ﴿من مرقدنا﴾ حيث جعلوا القبور موضع الرقاد إشارة إلى أنهم شكوا في أنهم كانوا نياماً فتنبهوا أو كانوا موتى فبعثوا، وكان الغالب على ظنهم هو البعث فجمعوا بين الأمرين وقالوا من مرقدنا إشارة إلى متوهمهم احتمال الانتباه.
وقولهم ﴿هذا﴾ إشارة إلى البعث ﴿ما﴾ أي: الذي ﴿وعد﴾ أي: به ﴿الرحمن﴾ أي: العام الرحمة الذي رحمته مقتضية ولا بد للبعث لينصف المظلوم من ظالمه ويجازي كلاً بعمله من غير حيف وقد رحمنا بإرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام إلينا بذلك وطالما أنذرونا حلوله وحذرونا صعوبته وطوله ﴿وصدق﴾ أي: في أمره ﴿المرسلون﴾ أي: الذين أتونا بوعد الله تعالى ووعيده.
(٩/١٧٤)
---


الصفحة التالية
Icon