وقرأ ابن عامر والكوفيون بضم العين، والباقون بالإسكان ثم بين ذلك الشغل بقوله ﴿فاكهون﴾ أي: متلذذون في النعمة، واختلف في هذا الشغل فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: في افتضاض الإبكار، وقال وكيع بن الجراح رضي الله عنهما: في السماع، وقال الكلبي: في شغل عن أهل النار وما هم فيه لا يهمهم أمرهم ولا يذكرونهم، وقال ابن كيسان: في زيارة بعضهم بعضاً، وقيل: في ضيافة الله تعالى فاكهون، وقيل: في شغل عن هول اليوم يأخذون ما آتاهم الله تعالى من الثواب فما عندهم خبر من عذاب ولا حساب.
وقوله تعالى ﴿فاكهون﴾ متمم لبيان سلامتهم فإنه لو قال: في شغل جاز أن يقال: هم في شغل أعظم من التفكر في اليوم وأهواله فإن من تصيبه فتنة عظيمة ثم يعرض عليه أمر من أموره أو يخبر بخسران وقع في ماله يقول: أنا مشغول عن هذا بأهم منه فقال: فاكهون أي: شغلوا عنه باللذة والسرور لا بالويل والثبور، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: فاكهون: فرحون.
ولما كانت النفس لا يتم سرورها إلا بالقرين الملائم قال تعالى:
﴿هم﴾ أي: بظواهرهم وبواطنهم ﴿وأزواجهم﴾ أي: أشكالهم الذين لهم في غاية الملاءمة كما كانوا يتركونهم في المضاجع على ألذ ما يكون ويصفون أقدامهم في خدمتنا وهم يبكون من خشيتنا، وفي هذا إشارة إلى عدم الوحشة ﴿في ظلال﴾ أي: يجدون فيها برد الأكباد وغاية المراد فلا تصيبهم الشمس كما كانوا يشوون أكبادهم في دار العمل بحر الصيام والصبر في مرضاتنا على الآلام ويعرون أيديهم وقلوبهم من الأموال ببذل الصدقات في سبيلنا على ممر الليالي وكر الأيام.
تنبيه: ظلال جمع ظل كشعاب أو ظله كقباب ويؤيده قراءة حمزة والكسائي بضم الظاء ولا ألف بين اللامين وهم مبتدأ وخبره في ظلال كما قاله أبو البقاء.
(٩/١٧٧)
---


الصفحة التالية
Icon