﴿قال﴾ الله تعالى له: ﴿فاخرج﴾ أي: بسبب تكبرك ونسبتك الحكيم الذي لا اعتراض عليه إلى الجور ﴿منها﴾ أي: من الجنة، وقيل: من الخلقة التي أنت فيها لأنه كان يفتخر بخلقته فغير الله تعالى خلقته فاسود بعدما كان أبيض وقبح بعدما كان حسناً وأظلم بعدما كان نورانياً، وقيل: من السموات ﴿فإنك رجيم﴾ أي: مطرود لأن من طرد رمي بالحجارة فلما كان الرجم من لوازم الطرد جعل الرجم كناية عن الطرد، فإن قيل: الطرد هو: اللعن فيكون قوله تعالى:
﴿وإن عليك لعنتي﴾ مكرراً أجيب: بحمل الطرد على ما تقدم وتحمل اللعنة على الطرد من رحمة الله تعالى وأيضاً قوله تعالى: ﴿وإن عليك لعنتي﴾ ﴿إلى يوم الدين﴾ أي: الجزاء أفاد أمراً وهو طرده إلى يوم القيامة فلا يكون تكراراً وقيل: المراد بالرجم كون الشياطين مرجومين بالشهب، فإن قيل: كلمة إلى لانتهاء الغاية فكأن لعنة الله إبليس غايتها يوم الدين ثم تنقطع، أجيب: بأنها كيف تنقطع وقد قال تعالى: ﴿فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين﴾ (الأعراف: ٤٤)
فأفاد أن عليه اللعنة في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة اقترن عليه مع اللعنة من العذاب ما تنسى عنده اللعنة فكأنها انقطعت.
تنبيه: قال تعالى هنا ﴿لعنتي﴾ وفي آية أخرى ﴿اللعنة﴾ وهما وإن كانا في اللفظ عاماً وخاصاً إلا أنهما من حيث المعنى عامان بطريق اللازم لأن من كانت عليه لعنة الله تعالى كانت عليه لعنة كل أحد لا محالة، وقال تعالى: ﴿أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين﴾ (البقرة: ١٦١)
ولما صار إبليس ملعوناً مطروداً:
﴿قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون﴾ أي: الناس طلب الإنظار إلى يوم البعث لأجل أن يتخلص من الموت لأنه إذا أنظر ليوم البعث لم يمت قبل يوم البعث وعند مجيء البعث لا يموت فحينئذ يتخلص من الموت فلذلك:
﴿قال﴾ تعالى: ﴿فإنك من المنظرين﴾.
(٩/٣٣٨)
---