﴿واتبعوا﴾ أي: عالجوا أنفسكم وكلفوها أن تتبع ﴿أحسن ما أنزل إليكم﴾ أي: على سبيل العدل كالإحسان الذي هو أعلى من العفو الذي هو فوق الانتقام باتباع هذا القرآن الذي هو أحسن ما نزل من كتب الله تعالى، واتباع أحاسن ما فيه فتصل من قطعك وتعطي من حرمك وتحسن إلى من ظلمك، هذا في حق الخلائق ومثله في عبادة الخالق بأن تكون كأنك تراه الذي هو أعلى من استحضار أنه يراك الذي هو أعلى من أدائها مع الغفلة عن ذلك.
ولما كان هذا شديداً على النفس رغب فيه بقوله تعالى بمظهر صفة الإحسان موضع الإضمار: ﴿من ربكم﴾ أي: الذي لم يزل يحسن إليكم وأنتم تبارزونه بالعظائم. وقال الحسن رضي الله عنه: معنى الآية الزموا طاعته واجتنبوا معصيته فإن في القرآن ذكر القبيح لتجتنبه، وذكر الأدون لئلا ترغب فيه، وذكر الأحسن لتؤثره. وقيل: الأحسن الناسخ دون المنسوخ لقوله تعالى: ﴿ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها﴾ (البقرة: ١٠٦)
وقيل: العزائم دون الرخص وقوله تعالى: ﴿من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون﴾ أي: ليس عندكم شعور بإتيانه بوجه من الوجوه فيه تهديد وتخويف.h
ولما خوفهم الله تعالى بهذا العذاب بين أنهم بتقدير نزوله عليهم ماذا يقولون، فحكى الله تعالى عنهم ثلاثة أنواع من الكلام الأول: ما ذكره بقوله تعالى:
﴿أن﴾ أي: كراهة أن ﴿تقول نفسٌ﴾ أي: عند وقوع العذاب وإفرادها وتنكيرها كاف في الوعيد لأن كل أحد يجوز أن يكون هو المراد ﴿يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله﴾ قال الحسن: قصرت في طاعة الله، وقال مجاهد: في أمر الله، وقال سعيد بن جبير: في حق الله وقيل: ضيعت في ذات الله، وقيل: معناه قصرت في الجانب الذي يؤدي إلى رضا الله تعالى والعرب تسمي الجانب جنباً، قال في «الكشاف»: هذا من باب الكناية لأنك إذا أثبت الأمر في مكان الرجل وحيزه فقد أثبته فيه ألا ترى إلى قول الشاعر:
*إن السماحة والمروءة والندى ** في قبة ضربت على ابن الحشرج*


الصفحة التالية
Icon