ولما دعا كفار قريش النبي ﷺ إلى دين آبائهم قال الله تعالى:
﴿قل﴾ أي: لهم ﴿أفغير الله﴾ أي: الملك الأعظم ﴿تأمروني أعبد أيها الجاهلون﴾ أي: العريقون في الجهل لأن الدليل القاطع قد قام بأن الله تعالى هو المستحق للعبادة فمن عبد غيره فهو جاهل، وقرأ نافع بتخفيف النون وفتح الياء وابن كثير بتشديد النون وسكون الياء، وابن عامر بنونين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة وسكون الياء والباقون بتشديد النون وسكون الياء.
(٩/٤٠٥)
---
﴿ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك﴾ أي: الذي عملته قبل الشرك، فإن قيل: الموحى إليهم جماعة فكيف قال لئن أشركت على التوحيد؟ أجيب: بأن تقدير الآية أوحي إليك لئن أشركت ليحبطن عملك وإلى الذين من قبلك مثله أي: أوحي إليك وإلى كل واحد منهم لئن أشركت كما تقول: كسانا حلة أي: كل واحد منا، فإن قيل: كيف صح هذا الكلام مع علم الله تعالى أن رسله لا يشركون ولا تحبط أعمالهم؟ أجيب: بأن قوله تعالى: ﴿لئن أشركت ليحبطن عملك﴾ قضية شرطية، والقضية الشرطية لا يلزم من صدقها صدق جزئها، ألا ترى أن قولك لو كانت الخمسة زوجاً لكانت منقسمة بمتساويين، قضية صادقة مع أن كل واحد من جزأيها غير صادق قال تعالى: ﴿لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا﴾ (الأنبياء: ٢٢)
ولم يلزم من هذا صدق أن فيهما آلهة وأنهما قد فسدتا أو أن الخطاب للنبي ﷺ والمراد به غيره كما قاله أكثر المفسرين أو أن ذلك على سبيل الفرض المحال ذكر ليكون ردعاً للأتباع.
ولما كان السياق للتهديد وكانت العبارة شاملة لما تقدم على الشرك من الأعمال وما تأخر عنه لم يقيده بالاتصال بالموت اكتفاء بتقييده في آية البقرة وهي ﴿ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر﴾ (البقرة: ٢١٧)