السؤال الثالث: حاصل القول بالقبضة واليمين هو القدرة الكاملة الوافية بحفظ هذه الأجسام العظيمة فكما أن حفظها وإمساكها يوم القيامة ليس إلا بقدرته تعالى، فكذلك الآن فما الفائدة في تخصيص هذه الأحوال بيوم القيامة؟ وأجاب: بأنه خصص تلك الحالة بيوم القيامة ليدل على أنه كما ظهر كمال قدرته في الإيجاد عند عمارة الدنيا يظهر كمال قدرته في الإعدام عند خراب الدنيا.
ولما كان هذا إنما هو تمثيل يعهد والمراد به الغاية في القدرة نزه نفسه المقدس عما ربما نسبه له المجسم والمشبه فقال تعالى: ﴿سبحانه﴾ أي: تنزه من هذه القدرة قدرته عن كل شائبة نقص ﴿وتعالى﴾ علو الإيحاط به ﴿عما يشركون﴾ معه لأنه لو كان له شريك ينازعه في هذه القدرة أو بعضها لمنعه شيئاً منها وهذه معبوداتهم لا قدرة لها على شيء البتة. روى البخاري في صحيحه في التوحيد وغيره عن عبد الله بن مسعود قال: «جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله ﷺ فقال: إذا كان يوم القيامة جعل الله تعالى السموات على إصبع والأرضين على إصبع والماء والثرى على إصبع والخلائق على إصبع ثم يهزهن ثم يقول: أنا الملك. فلقد رأيت النبي ﷺ يضحك حتى بدت نواجذه تعجباً وتصديقاً لقول الحبر ثم قرأ النبي ﷺ ﴿وما قدروا الله حق قدره﴾ الآية» وإنما ضحك ﷺ وتعجب لأنه لم يفهم منه إلا ما فهم علماء البيان من غير تصور إمساك ولا إصبع ولا هز ولا شيء من ذلك، وإنما يدل ذلك على القدرة الباهرة وأن الأفعال العظام التي تتحير فيها الأذهان هينة عليه هواناً لا يصل السامع إلى الوقوف عليه إلا بإجراء العبارة في مثل هذه الطريقة على التخييل.
(٩/٤٠٩)
---