﴿وقال فرعون﴾ أي: أعظم الكفرة في ذلك الوقت لرؤساء أتباعه عندما علم أنه عاجز عن قتله، وملأه ما رأى منه خوفاً دافعاً عن نفسه ما يقال من أنه ما ترك موسى عليه السلام مع استهانته به إلا عجزاً منه موهماً أن قومه هم الذين يردونه عنه وأنه لولا ذلك لقتله. ﴿ذروني﴾ أي: اتركوني على أي حالة كانت ﴿أقتل موسى﴾ وزاد في الإيهام للأغبياء والمناداة على نفسه عند البصراء بقوله: ﴿وليدع ربه﴾ أي: الذي يدعوه ويدعي إحسانه إليه بما يظهر على يديه من هذه الخوارق، وقيل: كان في خاصة قوم فرعون من يمنعه من قتل موسى، وفي منعه من قتله وجوه؛ أولها: لعله كان فيهم من يعتقد بقلبه كون موسى عليه السلام صادقاً فيتحيل في منع فرعون من قتله، وثانيها: قال الحسن: إن أصحابه قالوا له: لا تقتله فإنما هو ساحر ضعيف ولا يمكن أن يغلب سحرنا فإن قتلته أدخلت الشبهة على الناس ويقولون: إنه كان محقاً وعجزوا عن جوابه فقتلوه، وثالثها: أنهم كانوا يحتالون في منعه من قتله لأجل أن يبقى فرعون مشغول القلب بموسى فلا يتفرغ لتأديب تلك الأقوام؛ لأن من شأن الأمراء أن يشغلوا قلب ملكهم بخصم خارجي حتى يصيروا آمنين من قبل ذلك الملك، وقرأ ابن كثير بفتح الياء والباقون بالسكون.
ثم ذكر فرعون السبب الموجب لقتل موسى عليه السلام وهو إما فساد الدين أو فساد الدنيا فقال: ﴿إني أخاف﴾ أي: إن تركته ﴿أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد﴾ أي: لا بد من وقوع أحد الأمرين إما فساد الدين، وإما فساد الدنيا. أما فساد الدين فلأن القوم اعتقدوا أن الدين الصحيح هو دينهم الذي كانوا عليه فلما كان موسى عليه السلام ساعياً في إفساده اعتقدوا أنه ساع في إفساد الدين الحق، وأما فساد الدنيا فهو أن يجتمع عليه أقوام ويصير ذلك سبباً في وقوع الخصومات وإثارة الفتن، وبدأ فرعون بذكر الدين أولاً لأن حب الناس لأديانهم فوق حبهم لأموالهم.
(٩/٤٥١)
---