﴿تدعونني﴾ أي: توقعون دعائي إلى معبوداتكم ﴿لأكفر﴾ أي: لأجل أن أكفر ﴿بالله﴾ الذي له مجامع القهر والعز والعظمة والكبرياء ﴿وأشرك به﴾ أي: أجعل له شريكاً ﴿ما ليس لي به﴾ أي: بربوبيته ﴿علم﴾ أي: نوع من العلم بصلاحيته لشيء من الشركة فهو دعاء إلى الكذب في شيء لا يحل الإقدام عليه إلا بالدليل القطعي الذي لا يحتمل نوعاً من الشرك، فالمراد بنفي العلم نفي الإله كأنه قال وأشرك به ما ليس بإله وما ليس بإله كيف يعقل جعله شريكاً للإله.
ولما بين أنهم يدعونه إلى الكفر بين أنه يدعوهم إلى الإيمان بقوله: ﴿وأنا أدعوكم﴾ أي: أوقع دعاءكم الآن وقبله وبعده ﴿إلى العزيز﴾ أي: البالغ العزة الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء، وأما فرعون فهو في غاية العجز فكيف يكون إلهاً وأما الأصنام فإنها أحجار منحوتة فكيف يعقل كونها آلهة، وقرأ نافع وأنا بالمد بعد النون، وقالون يمد ويقصر وورش بالمد لا غير والباقون بغير مد. وقوله: ﴿الغفار﴾ أي: الذي يتكرر منه دائماً محو الذنوب عيناً وأثراً إشارة إلى أنهم يجب عليهم أن لا ييأسوا من رحمة الله تعالى بسبب إصرارهم على الكفر مدة مديدة فإن الإله العالم وإن كان عزيزاً لا يغلب قادراً لا يعارض لكنه غفار يغفر كفر سبعين سنة بإيمان ساعة واحدة وقوله:
﴿لا جرم﴾ رد لما دعوه إليه وجرم فعل بمعنى حق وفاعله ﴿أنما﴾ أي: الذي ﴿تدعونني إليه﴾ من هذه الأنداد ﴿ليس له دعوة﴾ بوجه من الوجوه فإنه لا إدراك له هذا إن أريد ما لا يعقل وإن أريد شيء مما يعقل فلا دعوة له مقبولة بوجه فإنه لا يقوم عليها دليل بل ولا شبهة موهمة ﴿في الدنيا﴾ أي: التي هي محل الأسباب الظاهرة ﴿ولا في الآخرة﴾ أي: ليس له استجابة دعوة فيهما فسمى استجابة الدعوة دعوة إطلاقاً لاسم أحد المتضايفين على الآخر كقوله تعالى ﴿وجزاء سيئة سيئة مثلها﴾ (الشورى: ٤٠)
(٩/٤٦٦)
---