﴿فاستخف﴾ أي: بسبب هذه الخدع التي سحرهم بها في هذا الكلام الذي هو في الحقيقة محقر له موهن لأمره قاصم لملكه عند من له لب ﴿قومه﴾ الذين لهم قوة عظيمة فحملهم بغروره على ما كانوا مهينين له من خفة الحلم ﴿فأطاعوه﴾ أي: بأن أقروا بملكه واعترفوا بربوبيته وردوا أمر موسى عليه السلام ﴿أنهم كانوا﴾ أي: بما في جبلاتهم من الشر ﴿قوماً فاسقين﴾ أي: غريقين في الخروج عن طاعة الله تعالى إلى معصيته فلذلك أطاعوا ذلك الفاسق.
﴿فلما آسفونا﴾ أي: أغضبونا في الإفراط في العناد والعصيان منقول من أسف إذا اشتد غضبه، حكي أن ابن جريج غضب في شيء فقيل له: أتغضب يا أبا خالد فقال: قد غضب الذي خلق الأحلام إن الله تعالى يقول: ﴿فلما آسفونا﴾ أي: أغضبونا ﴿انتقمنا منهم﴾ أي: أوقعنا بهم على وجه المكافأة بما فعلوا برسولنا عليه السلام عقوبة عظيمة منكرة مكروهة كأنها بعلاج ﴿فأغرقناهم أجمعين﴾ أي: إهلاك نفس واحدة لم يلفت منهم أحد على كثرتهم وقوتهم وشدتهم.
تنبيه: ذكر لفظ الأسف في حق الله تعالى وذكر لفظ الانتقام كل واحد منهما من المتشابهات التي يجب تأويلها فمعنى الغضب في حق الله تعالى: إرادة العذاب ومعنى الانتقام: إرادة العقاب بجرم سابق وقال بعض المفسرين: معنى آسفونا: احزنوا أولياءنا.
﴿فجعلناهم﴾ أي: بأخذنا لهم على هذه الصورة من الإغراق وغيره مما تقدمه ﴿سلفاً﴾ أي: متقدماً لكل من يهلك بعدهم إهلاك غضب في الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة أو قدوة لمن يريد العلو في الأرض فتكون عاقبته في الهلاك في الدارين أو إحداهما عاقبتهم كما قال تعالى: ﴿وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار﴾ (القصص: ٤١)
(١٠/١٥٨)
---


الصفحة التالية
Icon