ولما علم الله تعالى أنهم إن تأخروا إلى أن يطلع الفجر ويرتفع عنهم الموت منعوهم الخروج وإن تأخروا إلى آخر الليل أدركوهم قبل الوصول إلى البحر فقتلوهم، علل هذا الأمر بقوله مؤكداً له لأن حال القبط عندما أمرهم بالخروج كان حال من لا يتهيأ له الخروج في قوله: ﴿إنكم متبعون﴾ أي: مطلوبون بغاية الجهد من عدوكم فلا يغرنكم ما هم فيه عند أمركم بالخروج من الجزع من إقامتكم بين أظهرهم وسؤالهم لكم في الخروج عنهم بسبب وقوع الموت الناشئ فيهم، فإن القلوب بيد الله تعالى فهو ينسي قلب فرعون بعد رؤية هذه الآيات حين يرتفع عنهم الموت ويفرغون من دفن موتاهم فيطلبكم لما دبرته في القدم من سياستكم بإغراقهم أجمعين ليظهر مجدي بذلك وأدفع عنكم روع مدافعتهم، فإني أعلم أنه لا قوة لكم ولا طاقة بكم فلم أكلفكم بمباشرة شيء من أمرهم، وقرأ نافع وابن كثير فاسر بوصل الهمزة بعد الفاء، والباقون بقطعها، قال الزمخشري: وفيه وجهان إضمار القول بعد الفاء أي: فقال اسر بعبادي، وجواب شرط مقدر كأنه قال: إن كان الأمر كما تقول: فأسر بعبادي، قال أبو حيان: وكثيراً ما يدعى حذف الشرط ولا يجوز إلا لدليل واضح كأن يتقدمه الأمر أو ما أشبهه يقال: سرى وأسرى لغتان.
ولما أمر بالإسراء أمر بما يفعل فيه فقال تعالى:
﴿واترك البحر﴾ أي: إذا سريت بهم وتبعك العدو ووصلت بعد إليه وأمرناك بضربه لينفتح لتدخلوا فيه فدخلتم ونجيتم ﴿رهواً﴾ بعد خروجكم منه بأجمعكم وفي الرهو وجهان أحدهما: أنه الساكن أي: اتركه ساكناً قال الأعشى:
(١٠/١٩٤)
---
*يمشين رهواً فلا الأعجاز خاذلة ** ولا الصدور على الأعجاز تتكل*


الصفحة التالية
Icon