﴿واعلموا﴾ أي: أيتها الأمة ﴿أن فيكم﴾ أي: على وجه الاختصاص بكم ويا له من شرف ﴿رسول الله﴾ أي: الملك الأعظم المتصف بالجلال والإكرام فلا تقولوا الباطل فإنّ الله يخبره بالحال ﴿لو يطيعكم﴾ وهو لا يحب عنتكم ولا شيئاً يشق عليكم ﴿في كثير من الأمر﴾ أي: الذي تريدونه على فعله من أنه يعمل في الحوادث على مقتضى ما يعنّ لكم، وتستصوبونه ليكون فعله معكم فعل المطواع لغيره التابع له فينقلب حينئذ الحال ويصير المتبوع تابعاً، والمطاع طائعاً، ﴿لعنتم﴾ أي: لأثمتم دونه وهلكتم. لأنّ من أراد أن يكون أمر الرسول ﷺ تابعاً لأمره فقد زين له الشيطان الكفران وقوله تعالى: ﴿ولكن الله﴾ أي: الملك الأعظم الذي يفعل ما يريد ﴿حبب إليكم الإيمان وزينه﴾ أي: حسنه ﴿في قلوبكم﴾ فلزمتم طاعته وعشقتم متابعته استدراك من جهة المعنى لا من جهة اللفظ لبيان عذرهم، وهو أنه من فرط حبهم للإيمان وكرهتهم للكفر كما قال تعالى: ﴿وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان﴾ حملهم على ذلك ما سمعوا قول الوليد أو بصفة من لم يفعل ذلك منهم إخماداً لفعلهم وتعريضاً بذم من فعل. قال الرازي: هذه الأمور الثلاثة في مقابلة الإيمان الكامل المزين وهو التصديق بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان فقوله تعالى ﴿كرّه إليكم الكفر﴾ وهو التكذيب وهو في مقابلة التصديق بالجنان وأمّا الفسوق فقيل هو الكذب كما قاله ابن عباس قال تعالى ﴿إن جاءكم فاسق بنبأ﴾ فسمى الكاذب فاسقاً وقال البيضاوي: الكفر تغطية نعم الله بالجحود والفسوق الخروج عن القصد والعصيان الامتناع عن الانقياد. وقال بعضهم: الكفر ظاهر والفسوق هو الكبيرة والعصيان هو الصغيرة ﴿أولئك﴾ أي: الذين أعلى الله تعالى مقاديرهم ﴿هم الراشدون﴾ أي: الكاملون في الرشد الثابتون الاستقامة وعلى دينهم وفي تفسير الأصفهاني الرشد هو الاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه.
(١١/١٤٦)
---