﴿إنما المؤمنون﴾ أي: كلهم وإن تباعدت أنسابهم وبلادهم ﴿إخوة﴾ أي: في الدين لانتسابهم إلى أصل واحد هو الإيمان ولما كانت الأخوة داعية ولا بدّ إلى الإصلاح تسبب عنها قوله تعالى: ﴿فأصلحوابين أخويكم﴾ كما تصلحون بين أخويكم من النسب ووضع الظاهر موضع الضمير مضافاً إلى المأمور مبالغة في التقرير والتحضيض وخص الاثنين بالذكر لأنهما أقل من يقع بينهما الشقاق. وعن أبي عثمان الحيري: أنّ أخوة الدين أثبت من أخوة النسب فإنّ أخوة النسب تنقطع بمخالفة الدين وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب ﴿واتقوا الله﴾ أي: الملك الأعظم في مخالفة حكمه والإهمال فيه ﴿لعلكم ترحمون﴾ أي: لتكونوا إذا فعلتم ذلك على رجاء عند أنفسكم أن يكرمكم الذي لا قادر على الإكرام في الحقيقة غيره بأنواع الكرامات كما رحمتم إخوانكم بإكرامكم عن إفساد ذات البين.
(١١/١٤٩)
---
وعن الزهري عن سالم عن أبيه أنّ رسول الله ﷺ قال: «إنّ المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه فمن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة».
تنبيه: في هاتين الآيتين دليل على أنّ البغي لا يزيل اسم الإيمان لأنّ الله تعالى سماهم أخوة مؤمنين مع كونهم باغين يدل عليه ما روى عن عليّ بن أبي طالب سئل وهو القدوة في قتال أهل البغي عن أهل الجمل وصفين أمشركون. فقال: لا من الشرك فرّوا فقيل: أمنافقون هم فقال: لا إنّ المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً. قيل: فما حالهم قال: إخواننا بغوا علينا.
والباغي في الشرع هو الخارج عن الإمام العدل بتأويل محتمل وشوكة لهم ومطاع تحصل به قوّة الشوكة، وإن لم يكن لهم إمام والحكم فيهم أن يبعث إليهم الإمام أميناً فطناً ناصحاً ينصحهم ما ينقمون فإن ذكروا مظلمة أو شبهة أزالها وإن أصروا نصحهم ثم أعلمهم بالقتال، فإن استمهلوا اجتهد وفعل ما رآه صواباً.


الصفحة التالية
Icon