﴿أم خلقوا﴾ أي: وقع خلقهم على هذه الكيفية المتقنة ﴿من غير شيء﴾ أي: خالق خلقهم فوجدوا بلا خالق وذلك مما لا يجوز أن يكون لأنّ تعلق الخلق بالخالق من ضرورة الاسم فإن أنكروا الخالق لم يجز أن يوجدوا بلا خالق ﴿أم هم الخالقون﴾ لأنفسهم وذلك في البطلان أشدّ، لأنّ ما لا وجود له كيف يخلق فإذا بطل الوجهان قامت الحجة عليهم بأنّ لهم خالقاً وهو الله تعالى فلم لا يوحدنه ويؤمنون به وبرسوله وبكتابه وقال الزجاج: معناه أخلقوا باطلاً لا يحاسبون ولا يؤمنون وقال ابن كيسان: أخلقوا عبثاً وتركوا سدى لا يؤمرون ولا ينهون كقول القائل: فعلت كذا وكذا من غير شيء، أي: لغير شيء أم هم الخالقون لأنفسهم فلا يجب عليهم لله أمر. وقيل: معناه أخلقوا من غير أب وأم.
تنبيه: لا خلاف أنّ أم هنا ليست بمعنى بل لكن أكثر المفسرين على أن المراد ما يقع في صدر الكلام من الاستفهام بالهمزة كأنه يقول اخلقوا من غير شيء قال الرازي: ويحتمل أن يقال هو على أصل الوضع للاستفهام الذي يقع في أثناء الكلام وتقديره: أخلقوا من غير شيء أم هم الخالقون.
﴿أم خلقوا﴾ أي: على وجه الشركة ﴿السموات والأرض﴾ فهم بذلك عالمون بما فيهما على وجه الإحاطة واليقين، حتى علموا أنك تقوّلته ليصير لهم ردّه والتهكم عليه ﴿بل لا يوقنون﴾ أي: ليس لهم نوع يقين وإلا لآمنوا برسوله وكتابه.
(١١/٢٦٠)
---
﴿أم عندهم﴾ أي: خاصة دون غيرهم ﴿خزائن ربك﴾ أي: المحسن إليك بإرسالك فيعلموا أنّ هذا الذي أتيت به ليس من قول الله تعالى فيصح قولهم إنك تقوّلته ﴿أم هم﴾ أي: لا غيرهم ﴿المسيطرون﴾ أي: الرقباء الحافظون المتسلطون الجبارون الرؤساء الحكام الكتبة ليكونوا ضابطين للأشياء كلها، كما هو شأن كتاب السرّ عند الملوك فيعلمون أنك تقوّلت هذا الذكر لأنهم لم يكتبوا به إليك.


الصفحة التالية
Icon