﴿وقوم نوح﴾ أي: أهلكهم لأجل ظلمهم بالتكذيب ﴿من قبل﴾ أي: قبل الفريقين ﴿إنهم﴾ أي: قوم نوح ﴿كانوا﴾ أي: بما لهم من الأخلاق التي هي كالجبلات التي لا انفكاك عنها ﴿هم﴾ أي: خاصة ﴿أظلم﴾ أي: من الطائفتين المذكورتين ﴿وأطغى﴾ أي: وأشدّ تجاوزاً في الظلم وعلوّاً وإسرافاً في المعاصي وتجبراً وعتوّاً لتمادي دعوة نوح عليه السلام قريباً من ألف سنة، ولأنهم أطول أعماراً وأشدّ أبداناً وكانوا مع ذلك ملء الأرض، روي أنّ الرجل منهم كان يأخذ بيد ابنه فينطلق به إلى نوح عليه السلام فيقول: احذر هذا فإنه كذاب، وإنّ أبي قد مشى بي إلى هذا وقال لي ما قلت لك فيموت الكبير على الكفر وينشأ الصغير على وصية أبيه ولهذا قال نوح عليه السلام: ﴿رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً﴾ (نوح: ٢٦ ـ ٢٧)
وقوله تعالى: ﴿والمؤتفكة﴾ منصوب بقوله تعالى: ﴿أهوى﴾ وقدّم لأجل الفواصل، والمراد بالمؤتفكة قرى قوم لوط رفعها إلى عنان السماء على جناح جبريل عليه السلام، ثم أهواها إلى الأرض أي أسقطها وأتبعها بحجارة النار الكبريتية، وهو قوله تعالى: ﴿فغشاها﴾ أي: أتبعها ما غطاها فكان لها بمنزلة الغشاء وهوّله بقوله تعالى: ﴿ما غشى﴾ أي: أمراً عظيماً من الحجارة المنضودة المسمومة وغيرها مما لا تسع العقول وصفه.
﴿فبأيّ آلاء﴾ أي: أنعم ﴿ربك﴾ أي: المحسن إليك ﴿تتمارى﴾ أي: تشك أيها الإنسان وقيل: أراد الوليد بن المغيرة وقال ابن عباس: تتمارى أي تكذب وقيل: الخطاب للنبيّ ﷺ أي تشك في إجالة الخواطر في فكرك في إرادة هداية جميع قومك بحيث لا تريد أن أحداً منهم يهلك، وقد حكم ربك بإهلاك كثير منهم لما اقتضته حكمته فكان بعض خواطرك في تلك الإجالة يشكك ببعضها بعضاً.
(١١/٣٠٦)
---