﴿مهطعين﴾ أي: مسرعين مادّي أعناقهم ﴿إلى الداعي﴾ مصوبي رؤوسهم إليه لا يلتفتون إلى سواه كما يفعل من ينظر في ذل وخضوع وصمت واستكانة هذا حال الكل، وأمّا الكافر فنبه عليه بقوله تعالى: ﴿يقول﴾ أي: على سبيل التكرار ﴿الكافرون﴾ أي الذين كانوا في الدنيا عريقين في ستر الأدلة وإظهار الأباطيل المضلة: ﴿هذا﴾ أي الوقت الذي نحن فيه لما نرى فيه من الأهوال ﴿يوم عسر﴾ أي: في غاية العسر والصعوبة والشدّة وذلك بحسب حالهم فيه كما قال تعالى في سورة المدّثر: ﴿يوم عسير على الكافرين﴾ (المدثر: ٩ ـ ١٠)
ولما فرغ من حكاية كلام الكافرين ومن ذكر علامات الساعة أعاد ذكر بعض الأنبياء فقال تعالى:
(١١/٣١٥)
---
﴿كذبت﴾ أي: أوقعت التكذيب العظيم الذي عموا به جميع الرسالات وجميع الرسل ﴿قبلهم﴾ أي: أهل مكة ﴿قوم نوح﴾ مع ما كان بهم من القوّة ولهم من الانتشار في جميع الأقطار، وأنث فعلهم تحقيراً لهم، وتهويناً لأمرهم في جنب قدرته تعالى.
فإن قيل: إلحاق الضمير المؤنث بالفعل قبل ذكر الفاعل جائز وحسن بالاتفاق وإلحاق ضمير الجمع بالفعل قبيح عند أكثرهم فلا يجوزون كذبوا قوم نوح ويجوّزون كذبت فما الفرق؟ أجاب الرازي بأنّ التأنيث إنما جاز قبل الجمع لأن الأنوثة والذكورة للفاعل أمر لا يتبدل ولم تحصل الأنوثة للفاعل بسبب فعله بخلاف الجمع لأنّ الجمع للفاعلين بسبب فعلهم ﴿فكذبوا عبدنا﴾ نوحاً عليه السلام على ماله من العظمة بنسبته إلينا مع تشريفنا إياه بالرسالة ﴿وقالوا﴾ زيادة على التكذيب ﴿مجنون﴾ أي: فهذا الذي يصدر منه من الخوارق أمر من الجنّ.
﴿وازدجر﴾ وهل هذا من مقولهم أي قالوا: إنه ازدجر أي ازدجرته الجنّ وذهبت بلبه قاله مجاهد، أو هو من كلام الله تعالى أخبر الله تعالى عنه بأنه انتهر وازدجر بالسب وأنواع الأذى، وقالوا: ﴿لئن لم تنته يا نوح لتكوننّ من المرجومين﴾ (الشعراء: ١١٦)
.h
(١١/٣١٦)
---