قال الرازي: وهذا أصح لأنّ المقصود تقوية قلب النبيّ ﷺ بذكر من تقدّمه وأيضاً يترتب عليه قوله تعالى: ﴿فدعا ربه﴾ وهذا الترتيب في غاية الحسن، لأنّهم لمّا زجروه وانزجر هو عن دعائهم دعا ربه الذي رباه بالإحسان إليه وبرسالته ﴿أني﴾ أي: بأني ﴿مغلوب﴾ أي: من قومي كلهم بالقوّة والمنعة لا بالحجة وأكده ابلاغاً في الشكاية وإظهار الذل العبودية؛ لأنّ الله تعالى عالمٌ بسر العبد وجهره فما شرع الدعاء في أصله إلا لإظهار التذلل وكذا الإبلاغ فيه، وقال ابن عطية: غلبتني نفسي وحملتني على الدعاء عليهم. قال ابن عادل: وهو ضعيف. ﴿فانتصر﴾ أي: أوقع نصرتي عليهم أنت وحدك على أبلغ وجه فانتقم لي منهم.
﴿ففتحنا﴾ أي: بسبب دعائه فتحاً يليق بعظمتنا ﴿أبواب السماء﴾ أي: كلها في جميع الأقطار، وعَبَّرَ بجمع القلة عن جمع الكثرة والمراد من الفتح والأبواب والسماء حقائقها فإنّ للسماء أبواباً تفتح وتغلق وقيل: هذا على سبيل الاستعارة فإنّ الظاهر أنّ الماء كان من السحاب فهو كقول القائل في المطر الوابل جرت ميازيب السماء وفي قوله تعالى: ﴿ففتحنا﴾ بيان بأنّ الله تعالى انتصر منهم وانتقم بماء لا بجند أنزله ومن العجب أنهم كانوا يطلبون المطر سنين فأهلكهم الله تعالى بمطلوبهم وقرأ ابن عامر بتشديد التاء بعد الفاء والباقون بالتخفيف.
وفي الباء في قوله تعالى: ﴿بماء﴾ وجهان: أظهرهما: أنّها للتعدية وذلك على المبالغة في أنه جعل الماء كالآلة للفتح به كما تقول فتحت بالمفتاح والثاني أنها للحال أي فتحناها ملتبسة بماء ﴿منهمر﴾ أي: منصب بأبلغ ما يكون من السيلان والصب كثرة وعظماً ولذلك لم يقل بمطر لأنّه خارجٌ عن تلك العادة واستمرّ ذلك أربعين يوماً.
(١١/٣١٧)
---