تنبيه: وجه اتصال هذه الآية وأوّلها ﴿هو الذي أنزل عليك الكتاب﴾ بما قبلها وأوّلها ﴿هو الذي يصوّركم في الأرحام﴾ أنه لما بين أنه قيوم وهو القائم بمصالح الخلق والمصالح قسمان: جسماني وروحاني، فالجسماني أشرفها تعديل البنية على أحسن شكل وهو المراد بقوله تعالى: ﴿هو الذي يصوّركم في الأرحام﴾ وأمّا الروحاني فأشرفها العلم وهو المراد بقوله: ﴿هو الذي أنزل عليك الكتاب﴾ ولما حكى سبحانه وتعالى عن الراسخين في العلم أنهم يقولون: آمنا به حكى أنهم يقولون:
﴿ربنا لا تزغ﴾ أي: لا تمل ﴿قلوبنا﴾ عن طريق الحق إلى اتباع المتشابه بتأويل لا ترتضيه ﴿بعد إذ هديتنا﴾ وفقتنا لدينك والإيمان بالحكم والمتشابه. قال عليه الصلاة والسلام: «قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامه ـ أي: القلب على الحق ـ وإن شاء أزاغه عنه» رواه الشيخان وغيرهما، وقيل: لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا وعلى هذا اقتصر الزمخشري ووجه بأنّ ما ذكر كناية أو مجاز إذ لا تحسن من الله الإزاغة ليشمل نفيها وهذا بناء على مذهبه من الإعتزال، وأمّا مذهب أهل السنة فالزيغ والهداية خلق الله تعالى وكان ﷺ يقول: «اللهمّ يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك» وعن أبي موسى الأشعريّ رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ «مثل القلب كريشة بأرض فلاة تقلبها الرياح ظهراً وبطناً» ﴿وهب لنا﴾ أي: أعطنا ﴿من لدنك﴾ أي: من عندك ﴿رحمة﴾ أي: توفيقاً وتثبيتاً للذي نحن عليه من الإيمان والهدى أو مغفرة للذنوب ﴿إنك أنت الوهاب﴾ لكل سؤل وفيه دليل على أنّ الهدى والضلال من الله تعالى وأنه متفضل بما ينعم على عباده لا يجب عليه شيء ما.
(١/٤٧٢)
---


الصفحة التالية
Icon