﴿ربنا إنك جامع الناس﴾ أي: تجمعهم ﴿ليوم﴾ أي: في يوم ﴿لا ريب﴾ أي: لا شك ﴿فيه﴾ أي: في وقوعه وما فيه من الحشر والجزاء وهو يوم القيامة فتجازيهم بأعمالهم كما وعدت وقوله تعالى: ﴿إنّ الله لا يخلف الميعاد﴾ أي: موعده بالبعث يحتمل أن يكون من كلام الله تعالى، وأن يكون من كلام الراسخين فيكون فيه التفات عن الخطاب وكأنهم لما طلبوا من ربهم الصون عن الزيغ وأن يخصهم بالهداية والرحمة قالوا: ليس الغرض من هذا السؤال ما يتعلق بمصالح الدنيا فإنها منقضية، وإنما الغرض الأعظم منه ما يتعلق بالآخرة فإنا نعلم أنك جامع الناس للجزاء في يوم القيامة ووعدك حق فمن زاغ قلبه بقي هناك في العذاب أبد الآباد ومن وفقته وهديته ورحمته بقي هناك في السعادة والكرامة أبد الآباد.
تنبيه: احتج الوعيدية بهذه الآية على القطع بوقوع وعيد الفساق قالوا: لأنّ الوعيد داخل تحت لفظ الوعد لقوله تعالى: ﴿قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً﴾ (الأعراف، ٤٤) والوعد والميعاد واحد وقد أخبر في هذه الآية أنه لا يخلف الميعاد. وأجيب: بأنا لا نسلم القول بالقطع بوقوع وعيد الفساق مطلقاً بل ذلك مشروط بعدم العفو كما هو مشروط بعدم التوبة بالإتفاق فكما أنكم أثبتم ذلك الشرط بدليل منفصل، فكذا نحن أثبتنا شرط عدم العفو بدليل منفصل سلمنا أنه توعدهم ولكن لا نسلم أن الوعيد داخل تحت لفظ الوعد ويكون قوله: ﴿فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً﴾ كقوله تعالى: ﴿فبشرهم بعذاب أليم﴾ (آل عمران، ٢١) وكقوله تعالى: ﴿ذق إنك أنت العزيز الكريم﴾ (الدخان، ٤٩) فيكون من باب التهكم، وذكر الواحدي في «البسيط» أنه يجوز أن يحمل هذا على ميعاد الأولياء دون وعيد الأعداء؛ لأنّ خلف الوعيد كرم عند العرب لأنهم يمدحون بذلك كما قال القائل:
*إذا وعد السرّاء أنجز وعده ** وإن وعد الضرّاء فالعفو مانعه*
وقال الآخر أيضاً:
*وإني وإن أوعدته أو وعدته ** لمخلف إيعادي ومنجز موعدي*
(١/٤٧٣)
---