ولما حكى الله سبحانه وتعالى دعاء المؤمنين وتضرعهم حكى كيفية حال الكافرين وشدّة عقابهم بقوله تعالى:
﴿إنّ الذين كفروا﴾ وهو عام في الكفرة، وقيل: المراد بهم وفد نجران أو اليهود أو مشركو العرب ﴿لن تغنيَ﴾ أي: لن تنفع ولن تدفع ﴿عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً﴾ أي: من عذابه وقيل: من رحمته أو من طاعته على معنى البدلية قاله البيضاوي: أي: على أنّ من للبدل والمعنى لن تغني عنهم من رحمة الله أو من طاعته شيئاً أي: بدل رحمته وطاعته. قال أبو حيان: وإثبات البدلية جمهور النحاة تأباه ﴿وأولئك هم وقود النار﴾ أي: حطبها وفي ذلك كمال العذاب؛ لأنّ كماله أن يزول عنه ما ينتفع به ثم يجتمع عليه الأسباب المؤلمة، فالأوّل هو المراد بقوله تعالى: ﴿لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم﴾ فإن المرء عند الشدّة يفزع إلى المال والولد؛ لأنهما أقرب الأمور التي يفزع إليها في دفع النوائب، فبين تعالى أن صفة ذلك اليوم مخالفة لصفة الدنيا وإذا تعذر عليه الإنتفاع بالمال والولد وهما أقرب الطرق فما عداه بالتعذر أولى ونظيره ﴿يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم﴾ (الشعراء، ٨٩)، وأمّا الثاني من أسباب كمال العذاب وهو اجتماع الأسباب المؤلمة فهو المراد بقوله تعالى: ﴿وأولئك هم وقود النار﴾ وهذا هو النهاية في العذاب، فإنه لا عذاب أعظم من أن تشتعل النار فيهم كاشتعالها في الحطب اليابس وقوله تعالى:


الصفحة التالية
Icon