وأمّا وصفها بفعلها فيهم فذكره بقوله تعالى: ﴿تنزع﴾ أي: تأخذ ﴿الناس﴾ أي: الذين هم صور لاثبات لهم بأرواح التقوى من الأرض: بعضهم من وجهها، وبعضهم من حُفَرٍ حفروها ليمتنعوا بها من العذاب فتطيرهم بين السماء والأرض كأنهم الهباء المنثور فتقلع رؤوسهم من جثثهم.
وقوله تعالى: ﴿كأنهم﴾ أي: حين ينزعون فيلقون لا أرواح فيهم ﴿أعجاز نخل﴾ أي: أصول نخل قطعت رؤوسها حال من الناس مقدرة. وقوله: ﴿منقعر﴾ صفة لنخل باعتبار الجنس وأنث في الحاقة فقال: ﴿نخل خاوية﴾ (الحاقة: ٧)
باعتبار معنى الجماعة. قال ابن عادل: وإنما ذكَّر هنا وأنث هناك مراعاة للفواصل في الموضعين. وقال الرازي: ذكر الله تعالى لفظ النخل في مواضع ثلاثة ووصفها على الأوجه الثلاثة فقال تعالى: ﴿والنخل باسقات﴾ (ق: ١٠)
وذلك حال عنها وهي كالوصف، وقال تعالى: ﴿نخل خاوية﴾ (الحاقة: ٧)
و﴿نخل منقعر﴾ فحيث قال: منقعر كان المختار ذلك لأنّ المنقعر في حقيقة الأمر كالمفعول لأنه ورد عليه القعر فهو مقعور، والخاوي والباسق فاعل، وإخلاء المفعول من علامة التأنيث أولى: تقول: امرأة قتيل، وأمّا الباسقات فهي فاعلات حقيقة لأنّ البسوق أمر قائم بها، وأمّا الخاوية فهي من باب حسن الوجه لأنّ الخاوي موضعها فكأنه قال نخل خاوية المواضع، وهذا غاية الإعجاز حيث أتى بلفظ مناسب للألفاظ السابقة واللاحقة من حيث اللفظ.
تنبيه: الأعجاز جمع عجْز وهو مؤخر الشيء، ومنه العجْز لأنه يؤدي إلى تأخير الأمور، والمنقعر المنقلع من أصله: يقال: قعرت النخلة: قلعتها من أصلها فانقعرت، وقعرت البئر وصلت إلى قعرها، وقعرت الإناء شربت ما فيه حتى وصلت إلى قعره.
وكرّر قوله تعالى: ﴿فكيف كان عذابي ونذر﴾ للتهويل. وقيل: الأوّل: لما حاق بهم في الدنيا، والثاني: لما يحيق بهم في الآخرة، كما قال أيضاً في قصتهم: ﴿لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى﴾ (فصلت: ١٦)
(١١/٣٢١)
---