وتقدّم تفسير قوله تعالى: ﴿ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر﴾ وكرّره إيذاناً بأنّ تفسير القرآن مع إعجازه لا يكون إلا بعظمة تفوت قوى البشر، وتعجز عنها منهم القدر.
ولما انقضت قصة عاد ذكر تعالى قصة ثمود لأنها تلي قصة عاد في الفظاعة، فقال تعالى: ﴿كذبت ثمود﴾ أي قوم صالح عليه السلام وقوله تعالى: ﴿بالنذر﴾ جمع نذير بمعنى منذر أي بالإنذارات التي أنذرهم بها نبيهم صالح عليه السلام إن لم يؤمنوا به.
ثم علل ذلك وعقبه بقوله تعالى: ﴿فقالوا﴾ منكرين لما جاءهم من الله تعالى غاية الإنكار ﴿أبشراً﴾ إنكار الرسالة، هذا النوع ليكون إنكار النبوة نبيهم على أبلغ الوجوه وهو منصوب بفعل يفسره ﴿نتبعه﴾ الآتي، وقولهم: ﴿منا﴾ نعت له أي فلا فضل له علينا فما وجه اختصاصه بذلك من بيننا، وقولهم: ﴿واحداً﴾ نعت له أيضاً، ثم عظموا الإنكار بقولهم ﴿نتبعه﴾ أي: نجاهد أنفسنا في خلع مألوفنا وما كان عليه آباؤنا، والاستفهام بمعنى النفي والمعنى: كيف نتبعه ونحن أشد الناس قوّة وكثرة وهو واحد منّا.
(١١/٣٢٢)
---
ثمَّ استنتجوا من هذا الإنكار الشديد قولهم مؤكدين: ﴿إنَّا إذاً﴾ أي: إن أتبعناه ﴿لفي ضلال﴾ أي: ذهاب عن الصواب محيط بنا ﴿وسعر﴾ أي: ونيران جمع سعير فعكسوا عليه وقالوا: إن اتبعناك كنا إذاً كما تقول، وقيل: السعر الجنون يقال ناقة مسعورة قال الشاعر:
*كأنّ بها سعر إذا العيس هزها ** ذميل وإرخاء من السير متعب*