فإن قيل: إذا كان المراد بقوله تعالى: ﴿عذابي﴾ هو العذاب العاجل وبقوله تعالى: ﴿ونذر﴾ هو العذاب الآجل: فهما لم يكونا في زمان واحد، فكيف قال تعالى: ﴿فذوقوا﴾؟ أجيب: بأنّ العذاب الآجل أوّله متصل بآخر العذاب العاجل فهما كالواقع في زمان واحد، وهو قوله تعالى: ﴿أغرقوا فأدخلوا ناراً﴾ (نوح: ٢٥)
﴿ولقد صبحهم﴾ أي: أتاهم وقت الصباح؛ وقرأ نافع، وابن كثير، وابن ذكوان وعاصم بإظهار الدال عند الصاد؛ والباقون: بلا إظهار؛ وحقق المعنى بقوله تعالى: ﴿بكرة﴾ أي في أوّل نهار العذاب؛ وانصرف بكرة لأنه نكرة؛ ولو قصد به وقت بعينه امتنع الصرف للتأنيث والتعريف؛ ﴿عذاب﴾ أي: فقلع بلادهم ورفعها؛ ثم قلبها وحصبها بحجارة النار وخسفها وغمرها بالماء المنتن الذي لا يعيش به حيوان؛ ﴿مستقر﴾ أي ثابت عليهم غير زائل ليس بخيال ولا سحر كما قالوا عند الطمس، فإنه أهلكهم فاتصل بعذاب البرزخ المتصل بعذاب القيامة المتصل بالعذاب الأكبر في الطبقة التي تناسب أعمالهم من عذاب النار.
(١١/٣٣١)
---
فقال لهم لسان الحال إن لم ينطق لسان المقال: ﴿فذوقوا﴾ أي: بسبب أفعالكم الخبيثة ﴿عذابي ونذر﴾.
تنبيه: قد علم من تكرير هذا أن سبب العذاب التكذيب بالإنذار لأي رسول كان، وكان استئناف كل قصة منبهاً على أنها أهل على حدتها لأن يتعظ بها.
﴿ولقد يسرنا﴾ أي: على مالنا من العظمة ﴿القرآن﴾ أي: الجامع الفارق بين الحق والباطل؛ ولو شئنا لأعليناه بما لنا من القدرة إلى حد تعجز القوى عن فهمه، كما أعليناه إلى رتبة وقفت القوى عن معارضته ﴿للذكر فهل من مدكر﴾ أي: فيخلص نفسه من مثل هذا الذي أوقع فيه هؤلاء أنفسهم ظناً منهم أن الأمر لا يصل إلى ما وصل إليه جهلاً منهم، وعدم اكتراث بالعواقب.
ولما انقضت قصة لوط عليه السلام أتبعها قصة موسى عليه السلام لأنها بعد قوم لوط؛ بقوله تعالى:


الصفحة التالية
Icon