﴿ووضع الميزان﴾ أي: العدل الذي دبر به الخافقين من الموازنة وهي المعادلة لتنتظم أمورنا كما قال ﷺ «بالعدل قامت السموات والأرض» وقال السدي: وضع في الأرض العدل الذي أمر به يقال وضع الله الشريعة ووضع فلان كذا أي: ألفه. وقيل على هذا الميزان القرآن لأنّ فيه بيان ما يحتاج إليه وهو قول الحسين بن الفضل، وقال الحسن وقتادة والضحاك هو الميزان الذي يوزن به لينتصف به الناس بعضهم من بعض وهو خبر بمعنى الأمر بالعدل يدل عليه قوله تعالى: ﴿وأقيموا الوزن بالقسط﴾ (الرحمن: ٩)
والقسط هو العدل؛ وقيل هو الحكم، وقيل المراد وضع الميزان في الآخرة لوزن الأعمال.
﴿أن﴾ أي: لأجل أن ﴿لا تطغوا﴾ أي: تتجاوزوا الحدود ﴿في الميزان﴾ فمن قال: الميزان العدل قال: طغيانه الجور؛ ومن قال: إنه الميزان الذي يوزن به قال: طغيانه البخس قال ابن عباس: لا تخونوا من وزنتم له. وعنه أنه قال: يا معشر الموالي وليتم أمرين بهما هلك الناس المكيال والميزان ومن قال: إنه الحكم قال: طغيانه التحريف. وقيل فيه إضمار أي: وضع الميزان وأمركم أن لا تطغوا فيه.
فإن قيل: إذا كان المراد به ما يوزن به فأيّ نعمة عظيمة فيه حتى يعدّ في الآلاء؟ أجيب: بأنّ النفوس تأبى الغبن ولا يرضى أحد أن يغلبه غيره ولو في الشيء اليسير، ويرى أنّ ذلك استهانة به فلا يترك خصمه يغلبه فوضع الله تعالى معياراً بيّن به التساوي ولا تقع به البغضاء بين الناس وهو الميزان، وهو كل ما توزن به الأشياء بين الناس، ويعرف مقاديرها به من ميزان ومكيال ومقياس، فهو نعمة كاملة ولا ينظر إلى عدم ظهور نعمته وكثرته وسهولة الوصول إليه كالهواء والماء اللذين لا يتبين فضلهما إلا عند فقدهما.
(١١/٣٤٦)
---