﴿وله﴾ أي: لا لغيره ﴿الجواري﴾ أي: السفن الكبار والصغار الفارغة والمشحونة فلا تغترّوا بالأسباب الظاهرة فتقفوا معها فتسندوا شيئاً من ذلك إليها، وقرأ: ﴿والمنشآت﴾ حمزة وأبو بكر بخلاف عنه بكسر الشين بمعنى أنها تنشئ الموج بجريها أو تنشئ السير إقبالاً وإدباراً، أو التي رفعت شراعها أي قلوعها والشراع القلع وعن مجاهد كل ما رفعت قلعها فهي من المنشآت وإلا فليست منها ونسبة الرفع إليها مجاز كما يقال: أنشأت السحابة المطر وقرأ الباقون بفتح الشين وهو اسم مفعول أي أنشأها الله تعالى أو الناس أو رفعوا شراعها.
تنبيه: الجواري جمع جارية وهو اسم أو صفة للسفينة، وخصها بالذكر لأنّ جريها في البحر لا صنع للبشر فيه، وهم معترفون بذلك فيقولون لك الفلك ولك الملك؛ وإذا خافوا الغرق دعوا الله وحده، وسميت السفينة جارية لأنّ شأنها ذلك وإن كانت واقفة في الساحل كما سماها في موضع آخر بالجارية كما قال تعالى: ﴿إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية﴾ (الحاقة: ١١)
(١١/٣٥٦)
---
وسماها بالفلك قبل أن لم تكن كذلك فقال تعالى لنوح عليه السلام: ﴿واصنع الفلك بأعيننا﴾ (هود: ٣٧)
ثم بعدما عملها سماها سفينة فقال تعالى: ﴿فأنجيناه وأصحاب السفينة﴾ (العنكبوت: ١٥)
قال الرازي: فالفلك أولاً ثم السفينة ثم الجارية ا. ه. والمرأة المملوكة تسمى أيضاً جارية لأنّ شأنها الجري والسعي في حوائج سيدها بخلاف الزوجة فهي من الصفات الغالبة.
والسفينة فعليه بمعنى فاعله عند ابن دريد؛ كأنها تسفن الماء وفعيلة بمعنى مفعولة عند غيره بمعنى مسفونة وقوله تعالى: ﴿في البحر﴾ متعلق بالمنشآت وقوله تعالى: ﴿كالأعلام﴾ حال إمّا من الضمير المستكن في المنشآت وإمّا من الجواري وكلاهما بمعنى واحد؛ والأعلام الجبال والعلم الجبل الطويل علماً على الأرض قال القائل:
*إذا قطعنا علماً بدا لنا علم*
وقال آخر:
*ربما أوفيت في علم ** ترفعن ثوبى شمالات*
وقالت الخنساء في أخيها صخر:


الصفحة التالية
Icon