فإن قيل: المآب قسمان: الجنة وهي في غاية الحسن والنار وهي خالية عن الحسن كما قال تعالى: ﴿إنّ جهنم كانت مرصاداً للطاغين مآباً﴾ (النبأ، ٢١) أجيب: بأنّ المقصود بالذات هو الجنة، وأمّا النار فمقصودة بالعرض والمقصود بالآية الترهيب في الدنيا والترغيب في الآخرة.
﴿قل﴾ يا محمد لقومك ﴿أؤنبئكم﴾ أأخبركم ﴿بخير من ذلكم﴾ أي: المذكور من الشهوات وهذا استفهام تقريري.
تنبيه: هنا همزتان مختلفتان من كلمة: الأولى مفتوحة والثانية مضمومة، قرأ قالون بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية وأدخل بينهما ألفاً وورش يسهل الثانية من غير إدخال ألف وينقل حركة الهمزة الأولى إلى اللام من قل فتصير اللام مفتوحة والثانية مضمومة، وابن كثير كورش إلا أنه لا ينقل الحركة إلا في لفظ القرآن وقرآن، وأبو عمرو يسهل الثانية ويدخل بينهما ألفاً كقالون وله وجه آخر وهو عدم إدخال ألف بينهما، والباقون بتحقيقهما وقوله تعالى: ﴿للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها﴾ أي: مقدّرين الخلود فيها إذا دخلوها كلام مستأنف فيه دلالة على بيان ما هو خير من ذلكم كما تقول: هل أدلك على رجل عالم عندي رجل عالم من صفته كيت وكيت ويجوز أن تتعلق اللام بخير وترتفع جنات على هو جنات ﴿وأزواج مطهرة﴾ من الحيض وغيره مما يستقذر من النساء وقوله تعالى: ﴿ورضوان من الله﴾ قرأه شعبة بضم الراء، والباقون بكسرها وهما لغتان: الكسر لغة الحجاز والضم لغة تميم. وقيل: بالكسر اسم وبالضم مصدر وعن أبي سعيد الخدريّ رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ «إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير، في يديك فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: ما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا ربنا وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً».


الصفحة التالية
Icon