﴿فمن لم يستطع﴾ بأن عجز عن صوم أو لا لمرض يدوم شهرين بالظنّ المستفاد من العادة في مثله أو من قول الأطباء أو لمشقة شديدة تلحقه بالصوم أو بولائه ولو كانت المشقة لشدّة شهوة الوطء أو خوف زيادة مرض ﴿فإطعام﴾ أي: فعليه إطعام ﴿ستين مسكيناً﴾ أي: من قبل أن يتماسا حملاً للمطلق على المقيد بأن يملك كل مسكين من أهل الزكاة مدّاً من جنس الفطرة كبر وشعير وأقط ولبن فلا يجزئ لحم ودقيق وسويق، وخرج بأهل زكاة غيره فلا يجزئ دفعها لكافر ولا لهاشميّ ومطلبيّ ولا لمواليهما ولا لمن تلزمه مؤنته ولا لرقيق، لأنها حق الله تعالى فاعتبر فيها صفات الكمال.
﴿ذلك﴾ أي: الترخيص العظيم لكم والرفق بكم والبيان الشافي من أمر الله الذي هو موافق للحنيفية السمحة ملة أبيكم إبراهيم عليه السلام ﴿لتؤمنوا﴾ أي: ليتحقق إيمانكم ﴿بالله﴾ أي: الملك الذي لا أمر لأحد معه فتطيعوا بالانسلاخ عن أمر الجاهلية ﴿ورسوله﴾ أي: الذي تعظيمه من تعظيمه.
ولما رغب في هذا الحكم رهب في التهاون به بقوله تعالى: ﴿وتلك﴾ أي: هذه الأحكام العظيمة المذكورة ﴿حدود الله﴾ أي: أوامر الملك الأعظم ونواهيه التي يجب امتثالها والتعبد بها لترعى حق رعايتها فالتزموها وقفوا عندها ولا تعدوها، فإنه لا يطاق انتقامه إذا تعدّى نقضه وإبرامه ﴿وللكافرين﴾ أي: العريقين في الكفر بها أو بشيء من شرائعه ﴿عذاب أليم﴾ أي: بما آلموا المؤمنين به من الاعتداء فإن عجز عن جميع خصال الكفارة لم تسقط الكفارة عنه بل هي باقية في ذمته إلى أن يقدر على شيء منها، فإذا قدر عل خصلة من خصالها فعلها، ولا يتبعض العتق ولا الصوم بخلاف الإطعام حتى لو وجد بعض مدّ أخرجه، لأنه لا بدل له وبقي الباقي في ذمته.
(١١/٥٠٠)
---


الصفحة التالية
Icon