روي عن أبي هريرة أن رجلاً بات به ضيف، ولم يكن عنده إلا قوته وقوت صبيانه، فقال لامرأته: نومي الصبية وأطفىء السراج وقربي للضيف ما عندك، فنزلت هذه الآية. وعنه أيضاً قال: «جاء رجل إلى النبيّ ﷺ فقال: إني مجهود فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء فقال رسول الله ﷺ من يضيف هذا الليلة رحمه الله فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله فانطلق به إلى رحله فقال: لامرأته هل عندك شيء؛ قالت: لا إلا قوت صبياني، قال: فعلليهم بشيء فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج» وذكر نحو الحديث الأول.
وفي رواية فقام رجل من الأنصار يقال له: أبو طلحة فانطلق به إلى رحله. وذكر المهدوي أنها نزلت في ثابت بن قيس ورجل من الأنصار يقال له: أبو المتوكل، ولم يكن عنده إلا قوته.
وذكر القشيري قال: أهدي لرجل من أصحاب رسول الله ﷺ رأس شاة، فقال: إنّ أخي فلاناً وعياله أحوج إلى هذا منا فبعثها إليهم، فلم يزل يبعث بها واحد إلى آخر حتى تناولها سبعة أبيات حتى رجعت إلى الأول فنزلت الآية.
وذكر القرطبي عن أنس قال: أهدي لرجل من الصحابة رأس شاة، وكان مجهوداً فوجه بها إلى جار له فتداولها سبعة أنفس في سبعة أبيات، ثم عادت إلى الأوّل فنزلت.
فإن قيل: قد صح في الخبر النهي عن التصدق بجميع ما يملكه المرء أجيب: بأن محل النهي فيمن لا يوثق منه بالصبر على الفقر، وخاف أن يتعرّض للمسألة إذا فقد ما ينفقه، فأما الأنصار الذين أثنى الله تعالى عليهم بالإيثار على أنفسهم فكانوا كما قال تعالى: ﴿والصابرين في البأساء والضرّاء وحين البأس﴾ (البقرة: ١٧٧)
(١٢/٥٧)
---