عليك أمران
(١٢/٧٣)
---
قتل ومكابرة اعترف. فلما اعترف أمر الملك بقتله وصلبه على خشبة، فلما صلب أتاه الأبيض فقال: يا برصيصاً تعرفني، قال: لا، قال: أنا صاحبك الذي علمتك الدعوات فاستجيب لك ويحك أما اتقيت الله تعالى في الأمانة خنت أهلها، وإنك زعمت أنك أعبد بني إسرائيل، أما استحيت فلم يزل يعيره، ثم قال: ألم يكفك ما صنعت حتى أقررت على نفسك وفضحت نفسك وأشباهك من الناس، فإن مت على هذه الحالة فلم يفلح أحد من نظائرك، قال: فكيف أصنع؟ قال: تطيعني في خصلة واحدة حتى أنجيك مما أنت فيه، فأخذ بأعينهم وأخرجك من مكانك، قال: وما هي؟ قال: تسجد لي، قال: أفعل فسجد له فقال: يا برصيصا هذا الذي أردت منك صارت عاقبة أمرك إلى أن كفرت بربك إني برئ منك».
﴿
إني أخاف الله﴾ أي: الملك الذي لا أمر لأحد معه. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء، والباقون بسكونها ﴿رب العالمين﴾ أي: الذي أوجدهم من العدم ورباهم بما يدل على جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا، فلا يغني أحد من خلقه عن أحد شيأ إلا بإذنه.
﴿فكان﴾ أي: فتسبب عن قوله ذلك أنه كان ﴿عاقبتهما﴾ أي: الغار والمغرور ﴿أنهما في النار﴾ حال كونهما ﴿خالدين فيها﴾ لأنهما ظلما ظلماً لا فلاح معه ﴿وذلك﴾ أي: العذاب الأكبر ﴿جزاء الظالمين﴾ أي: كل من وضع العبادة في غير موضعها، أو هم الكافرون لقوله تعالى: ﴿إنّ الشرك لظلم عظيم﴾ (لقمان: ١٣)
قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما: ضرب الله تعالى هذا المثل ليهود بني النضير، والمنافقين من أهل المدينة فدس المنافقون إليهم، وقالوا: لا تجيبوا محمداً إلى ما دعاكم إليه، ولا تخرجوا من دياركم فإن قاتلكم فإنا معكم فأجابوهم، وإن أخرجوكم خرجنا معكم فأجابوهم فدربوا على حصونهم وتحصنوا في ديارهم رجاء نصر المنافقين فناصبوهم الحرب فخذلوهم وتبرؤوا منهم كما تبرأ الشيطان من برصيصاً، وخذله فكان عاقبة الفريقين في النار.
(١٢/٧٤)
---