قال الماوردي: وسبب نزول هذه الآية ما حكاه عطاء عن ابن عباس: «أن النبي ﷺ أبطأ عليه الوحي أربعين يوماً، فقال كعب بن الأشرف: يا معشر يهود أبشروا فقد أطفأ الله نور محمد فيما كان ينزل عليه وما كان ليتم أمره، فحزن رسول الله ﷺ فأنزل الله تعالى هذه الآية»، واتصل الوحي بعدها واختلف في المراد بالنور، فقال ابن عباس: هو القرآن، أي: يريدون إبطاله وتكذيبه بالقول. وقال السدي: الإسلام، أي: يريدون رفعه بالكلام. وقال الضحاك: إنه محمد ﷺ أي: يريدون هلاكه بالأراجيف وقال ابن جريج: حجج الله تعالى ودلائله، يريدون إبطالها بإنكارهم وتكذيبهم. وقيل: إنه مثل مضروب، أي: من أراد إطفاء نور الشمس بفيه فوجده مستحيلاً ممتنعاً، كذلك من أراد إطفاء الحق ﴿والله﴾ أي: الذي لا مدافع له لتمام عظمته ﴿متم نوره﴾ فلا يضره ستر أحد له بتكذيبه ولا إرادة إطفائه، وزاد ذلك بقوله تعالى: ﴿ولو كره﴾ أي: إتمامه له ﴿الكافرون﴾ أي: الراسخون في جهة الكفر المجتهدون في المحاماة عنه.
﴿هو﴾ أي: الذي ثبت أنه جامع لصفات الكمال والجلال وحده من غير أن يكون له شريك أو وزير ﴿الذي أرسل رسوله﴾ أي: الحقيق بأن يعظمه كل من بلغه أمره لأن عظمته من عظمته، ولم يذكر حرف الغاية إشارة إلى عموم الإرسال إلى كل من شمله الملك كما مضى ﴿بالهدى﴾ أي: البيان الشافي بالقرآن والمعجزة ﴿ودين الحق﴾ أي: والملة الحنيفية ﴿ليظهره﴾ أي: يعليه مع الشهرة وإذلال المنازع ﴿على الدين﴾ أي: جنس الشريعة التي ستجعل ليجازى من يسلكها ومن يزغ عنها بما يشرع فيها من الأحكام ﴿كله﴾ فلا يبقى دين إلا كان دونه، وانمحق به وذل أهله ذلاً لا يقاس به ذل ﴿ولو كره﴾ أي: إظهاره ﴿المشركون﴾ أي: المعاندون في كفرهم الراسخون في سلك المعاندة.
فإن قيل: قال أولاً: ﴿ولو كره الكافرون﴾، وقال ثانياً: ﴿ولو كره المشركون﴾، فما الحكمة في ذلك؟.
(١٢/١٢٦)
---