قال الماوردي: ويحتمل أن يثبت هذا النقل لأن المكره على المعصية غير مؤاخذ بها، لأنه لا يستطيع اتقاءها ﴿واسمعوا﴾ أي: سماع إذعان وتسليم لما توعظون به وجميع أوامره ﴿وأطيعوا﴾ أي: وصدقوا ذلك الإذعان بمباشرة الأفعال الظاهرة في الإسلاميات من القيام بأمر الله تعالى، والشفقة على خلق الله في كل أمر ونهي على حسب الطاقة وحذف المتعلق ليصدق الأمر بكل طاعة ﴿وأنفقوا﴾ أي: أوقعوا الإنفاق كما حد لكم فيما وجب أو ندب إليه، والإنفاق لا يخص نوعاً بل يكون بكل ما رزق الله من الذاتي والخارجي. وقوله تعالى: ﴿خيراً لأنفسكم﴾ في نصبه أوجه: أحدها: قال سيبويه إنه مفعول بفعل مقدر دل عليه ﴿وأنفقوا﴾ تقديره: وقدموا خيراً لأنفسكم كقوله تعالى: ﴿انتهوا خيراً لكم﴾ (النساء: ١٧١)
الثاني: تقديره يكن الإنفاق خيراً فهو خبر كان المضمرة، وهو قول أبي عبيدة. الثالث: أنه نعت مصدر محذوف، وهو قول الكسائي والفراء، أي: إنفاقاً خيراً لأنفسكم فإن الله يعطي خيراً منه في الدنيا مع ما تزكى به النفس ويدخر عليه من الجزاء في الآخرة مما لا يدري كنهه فلا يغرنكم عاجل شيء من ذلك فإنما هو زخرف.
ولما ذكر ما في الإنفاق من الخير عمم في جميع الأوامر بقوله تعالى: ﴿ومن يوق شح نفسه﴾ فيفعل في ماله جميع ما أمر به موقناً به مطمئناً إليه حتى يرتفع عن قلبه الإخطار، ويتحرر عن رق المكنونات، والشح خلق باطنى هو الداء العضال، والبخل فعل ظاهر ينشأ عن الشح، والنفس تارة تشح بترك الشهوة من المعاصي فتفعلها، وتارة بإعطاء الأعضاء في الطاعات فتتركها وتارة بإنفاق المال ومن فعل ما فرض عليه خرج من الشح. ولما كان الواقي هو الله تعالى سبب عن وقايته قوله تعالى: ﴿فأولئك﴾ أي: العالو الرتبة ﴿هم المفلحون﴾ أي: الفائزون الذين حازوا جميع المرادات بما اتقوا الله فيه.
(١٢/١٩٤)
---


الصفحة التالية
Icon