﴿فهل ترى﴾ أي: أيها المخاطب الخبير بالناس في جميع الأقطار ﴿لهم﴾ أي: خصوصاً. وأغرق في النفي وعبر بالمصدر الملحق بالهاء مبالغة فقال تعالى: ﴿من باقية﴾ فيكون المراد بالباقية البقاء كالطاغية بمعنى الطغيان، أي: من باق، والأحسن أن تكون صفة لفرقة أو لطائفة أو نفس أو بقية أو نحو ذلك. وقيل: فاعلة بمعنى المصدر كالعافية والباقية. قال المفسرون: والمعنى هل ترى لهم أحداً باقياً، قال ابن جريج: كانوا سبع ليال وثمانية أيام أحياء في عذاب الله تعالى من الريح، فلما أمسوا في اليوم الثامن ماتوا فاحتملتهم الريح فألقتهم في البحر، فذلك قوله تعالى: ﴿فهل ترى لهم من باقية﴾. وقوله تعالى: ﴿فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم﴾ (الأحقاف: ٢٥)
. ونجى الله تعالى صالحاً عليه السلام ومن آمن به من بين ثمود ولم تضرّهم الصاعقة، وهوداً عليه السلام ومن آمن به من عاد ولم يهلك منهم أحد، فدل ذلك دلالة واضحة على أن له تعالى تمام العلم بالجزئيات، كما أن له تمام الإحاطة بالكليات وعلى قدرته واختياره وحكمته، فلا يجعل المسلم كالمجرم ولا المسيء كالمحسن، وجواب هل لم يبق منهم أحد.
(١٣/١٠٨)
---
﴿وجاء فرعون﴾ أي: الذي ملكناه طائفة من الأرض وتجبر وادعى الإلهية ناسياً نعمتنا وقدرتنا. وقوله تعالى: ﴿ومن قبله﴾ قرأه أبو عمرو والكسائي بكسر القاف وفتح الباء الموحدة، أي: ومن عنده من أتباعه، وقرأه الباقون بفتح القاف وسكون الباء الموحدة على أنه ظرف، أي: ومن تقدمه من الأمم الكافرة ﴿والمؤتفكات﴾ أي: أهلكها وهي قرى قوم لوط، أي: المنقلبات بأهلها حتى صار عاليها سافلها لما حصل لأهلها من الانقلاب ﴿بالخاطئة﴾، أي: بالفعلات ذات الخطأ الذي يتخطى منها إلى نفس الفعل القبيح من اللواط والصفع والضراط مع الشرك وغير ذلك من أنواع الفسق.
(١٣/١٠٩)
---


الصفحة التالية
Icon