ولما كان الإضمار قبل الذكر لتعظيم ذلك المضمر أشار إلى أنه مستحضر في الذهن لا يغيب قال تعالى: ﴿إنها﴾ أي: النار وإن لم يجر لها ذكر لدلالة لفظ عذاب عليها، وقيل: الضمير للقصة. وقيل: مبهم يفسره قوله تعالى: ﴿لظى﴾ أي: ذات اللهب الخالص المتناهي في الحرّ اسم لجهنم تتلظى، أي: تتوقد فتأكل بسببه بعضها بعضاً إن لم تجد ما تأكله وتأكل كل ما وجدته كائناً ما كان، وقوله تعالى: ﴿نزاعة للشوى﴾ جمع شواة وهي جلدة الرأس، أي: شديدة النزع لجلود الرؤوس. وقال في «القاموس»: اليدان والرجلان والأطراف ومخ الرأس وما كان غير مقتل ا. ه. وقرأ حفص بالنصب على الاختصاص والحال المؤكدة والمستقلة على أن لظى متلظية، والباقون بالرفع على أنها خبر إن.
﴿تدعو من أدبر وتولى﴾ عن الإيمان، تقول: إليّ يا مشرك، إليّ يا فاسق ونحو هذا، ثم تلتقطهم التقاط الطير للحب.
ولما كانت الدنيا والآخرة ضرتين، فكان الإقبال على أحدهما دالاً على الإعراض عن الأخرى قال تعالى دالاً على إدباره بقلبه: ﴿وجمع﴾ أي: كل ما كان منسوباً إلى الدنيا ﴿فأوعى﴾ أي: جعل ما جمعه في وعاء وكنزه حرصاً وطول أمل ولم يعط حق الله تعالى منه فكان همه الإعطاء لا إبطاء ما وجب من الحق إقبالاً على الدنيا وإعراضاً عن الآخرة، وقرأ: ﴿لظى﴾ و ﴿للشوى﴾ و ﴿تولى﴾ ﴿فأوعى﴾ حمزة والكسائي بالإمالة محضة، وورش وأبو عمرو بين بين، والفتح عن ورش قليل والباقون بالفتح.
(١٣/١٣٩)
---
﴿إن الإنسان﴾ أي: الجنس عبر به لما له من الأنس بنفسه والرؤية لمحاسنها والنسيان لربه ولدينه ﴿خلق هلوعاً﴾ أي: جبل جبلة هو فيها بليغ الهلع وهو أفحش الجزع مع شدة الحرص وقلة الصبر والشح على المال والسرعة فيما لا ينبغي، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: إنه الحريص على ما لا يحل له.