تنبيه: أطلقوا الظنّ على العلم إشارة إلى أنّ العاقل ينبغي له أن يتجنب ما يتخيله ضاراً ولو بأدنى أنواع التخيل، فكيف إذا تيقن. وقولهم ﴿في الأرض﴾ حال، وكذلك هرباً في قولهم ﴿ولن نعجزه﴾ أي: بوجه من الوجوه ﴿هرباً﴾ فإنه مصدر في موضع الحال تقديره لا نفوته كائنين في الأرض أو هاربين منها إلى السماء، فليس لنا مهرب إلا في قبضته فأين أم إلى أين المهرب.
﴿وأنا لما سمعنا﴾ أي: من النبيّ ﷺ ﴿الهدى﴾ أي: القرآن الذي له من العراقة التامة في صفة البيان والدعاء إلى الخير ما سوّغ أن يطلق عليه نفس الهدى ﴿آمنا به﴾ وبالله وصدقنا محمداً ﷺ على رسالته وكان ﷺ مبعوثاً إلى الإنس والجنّ. قال الحسن: بعث الله تعالى محمداً ﷺ إلى الإنس والجن ولم يبعث الله تعالى قط رسولاً من الجن ولا من أهل البادية ولا من النساء، وذلك لقوله تعالى: ﴿وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى﴾ (يوسف: ١٠٩)
وفي الصحيح: «وبُعثت إلى الأحمر والأسود» أي الإنس والجنّ، وفي إرساله إلى الملائكة خلاف قدّمنا الكلام عليه.
﴿فمن يؤمن بربه﴾ أي: المحسن إليه منا ومن غيرنا ﴿فلا﴾ أي: فهو خاصة لا ﴿يخاف بخساً ولا رهقاً﴾ قال ابن عباس: لا يخاف أن ينقص من حسناته ولا أن يزاد في سيئاته لأن البخس النقصان والرهق العدوان وغشيان المحارم.
(١٣/١٨٥)
---
﴿وأنا منا﴾ أي: الجن ﴿المسلمون﴾ أي: المخلصون في صفة الإسلام ﴿ومنا القاسطون﴾ أي: الجائرون أي: وإنا بعد سماع القرآن مختلفون فمنا من أسلم ومنا من كفر، والقاسط الجائر لأنه عدل عن الحق، والمقسط العادل إلى الحق، قسط إذا جار، وأقسط إذا عدل فقسط الثلاثي بمعنى جار، وأقسط الرباعي بمعنى عدل.


الصفحة التالية
Icon