وعن سعيد بن جبير: أنّ الحجاج قال له حين أراد قتله: ما تقول فيّ؟ قال: قاسط عادل. فقال القوم: ما أحسن ما قال، حسبوا أنه يصفه بالقسط والعدل. فقال الحجاج: يا جهلة إنما سماني ظالماً مشركاً وتلا لهم قوله تعالى: ﴿وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً﴾. ﴿ثم الذين كفروا بربهم يعدلون﴾ (الأنعام: ١)
﴿فمن أسلم﴾ أي: أوقع الإسلام كله بأن أسلم ظاهره وباطنه من الجن وغيرهم ﴿فأولئك﴾ أي: العالو الرتبة ﴿تحرّوا﴾ أي: توخوا وقصدوا مجتهدين ﴿رشداً﴾ أي: صواباً عظيماً وسداداً كان لما عندهم من النقائص شارداً عنهم، فعالجوا أنفسهم حتى ملكوه فجعلوه لهم منزلاً.
﴿وأما القاسطون﴾ أي: العريقون في صفة الجور عن الصواب من الإنس والجن، فأولئك أهملوا أنفسهم فلم يتحرّوا لها فضلوا فأبعدوا عن الطريق القويم فوقعوا في المهالك التي لا منجى منها. ﴿فكانوا لجهنم﴾ أي: النار البعيدة القعر التي تلقاهم بالتجهم والكراهة والعبوسة ﴿حطباً﴾ أي: توقد بهم النار فهي في اتقاد ما داموا أحياء، مادامت تتقدّ لا يموتون فيستريحون ولا يحيون فينتعشون.
تنبيه: قوله تعالى: ﴿فكانوا﴾، أي: في علم الله عز وجلّ. فإن قيل: لم ذكروا عقاب القاسطين ولم يذكروا ثواب المسلمين؟ أجيب: بأنهم في مقام الترهيب فذكروا ما يحذر وطووا ما يحب للعلم به لأنّ الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً بل لا بد أن يزيد عليه تسعة أضعافه وعنده المزيد أو أنهم ذكروه بقولهم ﴿تحرّوا رشداً﴾ أي: تحرّوا رشداً عظيماً لا يعلم كنهه إلا الله تعالى، ومثل هذا لا يتحقق إلا في الثواب.
(١٣/١٨٦)
---
فإن قيل: إنّ الجنّ مخلوقون من النار فكيف يكونون حطباً للنار؟ أجيب: بأنهم وإن خلقوا منها لكنهم يغيرون عن تلك الكيفية فيصيرون لحماً ودماً هكذا قيل وهذا آخر كلام الجن.