﴿فإن تولوا﴾ أي: أعرضوا عن الإيمان ﴿فإنّ الله عليم بالمفسدين﴾ فيجازيهم وفيه وضع الظاهر موضع المضمر ليدل على أنّ التولي عن الحجج والإعراض عن التوحيد إفساد للدين والإعتقاد المؤدّي إلى فساد النفس بل وإلى فساد العالم.
ولما قدم وفد نجران المدينة والتقوا مع اليهود واختصموا في إبراهيم ﷺ فزعمت النصارى أنه كان نصرانياً وهم على دينه وأولى الناس به، وقالت اليهود: بل كان يهودياً وهم على دينه وأولى الناس به، فقال النبيّ ﷺ «كلا الفريقين بريء من إبراهيم ودينه بل كان إبراهيم حنيفاً مسلماً وأنا على دينه فاتبعوا دينه الإسلام» فقالت اليهود: يا محمد ما تريد إلا أن نتخذك رباً كما اتخذت النصارى عيسى، وقالت النصارى: يا محمد ما تريد إلا أن نقول فيك ما قالت اليهود في عزير، نزل.
(٢/٣٦)
---
﴿قل يا أهل الكتاب﴾ وهو يعم أهل الكتابين وهم اليهود والنصارى ﴿تعالوا إلى كلمة﴾ العرب تسمي كل قصة لها شرح كلمة ومنها سميت القصيدة كلمة، وقوله تعالى: ﴿سواء﴾ مصدر بمعنى مستو أمرها لا تختلف فيها الرسل والكتب ﴿بيننا وبينكم﴾ هو نعت الكلمة؛ لأنّ المصادر لا تثنى ولا تجمع ولا تؤنث، فإذا فتحت السين مدّت وإذا كسرت أو ضمت قصرت كقوله تعالى: ﴿مكاناً سوى﴾ (طه، ٥٨) ثم فسر الكلمة بقوله: ﴿أن لا نعبد إلا الله﴾ أي: نوحده بالعبادة ونخلص له فيها ﴿ولا نشرك به شيئاً﴾ أي: ولا نجعل غيره شريكاً له في استحقاق العبادة ولا نراه أهلاً؛ لأن يعبد ﴿ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله﴾ أي: ولا نقول عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله ولا نطيع الأحبار فيما أحدثوا من التحريم والتحليل، لأنهم بشر مثلنا.