روى الترمذي لما نزل قوله تعالى: ﴿اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله﴾ قال عدي بن حاتم: ما كنا نعبدهم يا رسول الله قال: «أليس كانوا يحلون لكم ويحرمون فتأخذون بقولهم؟ قال: نعم قال: هو ذلك» أي: أخذكم بقولهم ﴿فإن تولوا﴾ أي: أعرضوا عن التوحيد ﴿فقولوا﴾ أنتم لهم ﴿اشهدوا بأنا مسلمون﴾ أي: موحدون دونكم فقد لزمتكم الحجة فوجب عليكم أن تعترفوا بذلك، كما يقول الغالب للمغلوب في جدال أو صراع أو نحو ذلك: اعترف بأني الغالب وسلم لي الغلبة.
(٢/٣٧)
---
قال البيضاوي: تنبيه: انظر ما راعى أي: الله سبحانه وتعالى في هذه القصة من المبالغة والإرشاد وحسن التدرج في الحجاج أولاً لأحوال عيسى وما تعاور عليه من الأطوار المنافية للإلهية، ثم ذكر ما يحل عقدتهم ويزيح أي: يزيل شبهتهم، فلما رأى عنادهم ولجاجهم دعاهم إلى المباهلة بنوع من الإعجاز ثم لما أعرضوا عنها وانقادوا بعض الإنقياد عاد إليهم بالإرشاد وسلك طريقاً أسهل وألزم بأن دعاهم إلى ما وافق عليه عيسى والإنجيل وسائر الأنبياء والكتب ثم لما لم يجد أي: ينفع ذلك أيضاً عليهم وعلم أن الآيات والنذر لا تغني عنهم أعرض عن ذلك، وقال: اشهدوا بأنا مسلمون.
﴿يا أهل الكتاب﴾ وقد مرّ أنه يعم أهل الكتابين اليهود والنصارى ﴿لم تحاجون﴾ أي: تخاصمون ﴿في إبراهيم﴾ بزعمكم أنه على دينكم ﴿وما أنزلت التوراة﴾ على موسى ﴿والإنجيل﴾ على عيسى ﴿إلا من بعده﴾ أي: بزمن طويل إذ كان بين إبراهيم وموسى ألف سنة وبين موسى وعيسى ألفا سنة وبعد نزول التوراة حدثت اليهودية وبعد نزول الإنجيل حدثت النصرانية ﴿أفلا تعقلون﴾ بطلان قولكم حتى لا تجادلوا مثل هذا الجدال المحال.