ولما خوّف تعالى المكذبين أولي النعمة بأهوال يوم القيامة خوّفهم بعد ذلك بأهوال الدنيا فقال تعالى: ﴿إنا﴾ أي: بما لنا من العظمة ﴿أرسلنا إليكم﴾ يا أهل مكة شرفاً لكم خاصة وإلى كل من بلغته الدعوة عامّة ﴿رسولاً﴾ أي: عظيماً جدًّا، وهو محمد ﷺ خاتم النبيين وإمامهم وأجلهم وأفضلهم قدراً ﴿شاهداً عليكم﴾ أي: بما تصنعون ليؤدّي الشهادة عند طلبها منه يوم ننزع من كل أمّة شهيداً وهو يوم القيامة ﴿كما أرسلنا﴾ أي: بما لنا من العظمة ﴿إلى فرعون﴾ أي: ملك مصر ﴿رسولاً﴾ وهو موسى عليه الصلاة والسلام، وهذا تهديد لأهل مكة بالأخذ الوبيل. قال مقاتل: وإنما ذكر موسى وفرعون دون سائر الرسل لأنّ أهل مكة ازدروا محمداً ﷺ واستخفوا به لأنه ولد فيهم، كما أنّ فرعون ازدرى بموسى عليه السلام لأنه رباه ونشأ فيما بينهم، كما قال تعالى حكاية عن فرعون: ﴿ألم نربك فينا وليداً﴾ (الشعراء: ١٨)
وذكر الرازي السؤال والجواب. قال ابن عادل: وهو ليس بالقوي لأنّ إبراهيم عليه السلام ولد ونشأ فيما بين قوم نمروذ وكان آزر وزير نمروذ على ما ذكره المفسرون، وكذا القول في هود ونوح وصالح ولوط لقوله تعالى في قصة كل واحد منهم لفظة ﴿أخاهم﴾ لأنه من القبيلة التي بعث إليها انتهى. وقد يقال: الجامع بين محمد وموسى عليهما الصلاة والسلام التربية، فإنّ أبا طالب تربى عنده النبيّ ﷺ وموسى عليه السلام تربى عند فرعون ولم يكن ذلك لغيرهما.
﴿فعصى فرعون الرسول﴾ إنما عرفه لتقدم ذكره، وهذه أل العهدية والعرب إذا قدمت اسماً ثم أتوا به ثانياً أتوا به معرفاً بأل أو أتوا بضميره لئلا يلتبس بغيره نحو: رأيت رجلاً فأكرمت الرجل أو فأكرمته، ولو قلت فأكرمت رجلاً لتوهم أنه غير الأوّل. وقال المهدوي: ودخلت الألف واللام في الرسول لتقدّم ذكره ولذا اختير في أوّل الكتب سلام عليكم وفي آخرها السلام عليكم.
(١٣/٢١٩)
---