واختلفوا في الآية الكبرى أي: العلامة العظمى وهي المعجزة. فقال عطاء وابن عباس رضي الله عنهم: هي العصا. وقال مقاتل والكلبي رضي الله عنهما: هي اليد البيضاء تبرق كالشمس، والأوّل أولى لأنه ليس في اليد إلا انقلاب لونها، وهذا حاصل في العصا لأنها لما انقلبت حية لا بدّ وأن يتغير اللون الأوّل، فإذن كل ما في اليد فهو حاصل في العصا، وأمور أخر وهي الحياة في الجرم الجمادي وتزايد أجزائه، وحصول القدرة الكبيرة والقوّة الشديدة وابتلاعها أشياء كثيرة وزوال الحياة والقدرة عنها، وذهاب تلك الأجزاء التي عظمت، وزوال ذلك اللون والشكل اللذين صارت العصا بهما حية، وكل واحد من هذه الوجوه كان معجزاً مستقلاً في نفسه، فعلمنا أنّ الآية الكبرى هي العصا. وقال مجاهد رضي الله عنه: هي مجموع العصا واليد، وقيل: فلق البحر، وقيل: جميع آياته التسع.
﴿فكذب﴾ أي: فتسبب عن رؤيته ذلك أن كذب موسى عليه السلام ﴿وعصى﴾ الله تعالى بعد ظهور الآية وتحقيق الأمر، وقيل: كذب بالقول وعصى بالتمرّد والتجبر.
﴿ثم أدبر﴾ أي: تولى وأعرض عن الإيمان بعد المهل والأناة إعراضاً عظيماً بالتمادي على أعظم ما كان فيه من الطغيان بعد خطوب جليلة ومشاهد طويلة، حال كونه ﴿يسعى﴾ أي: يعمل بالفساد في الأرض، أو أنه لما رأى الثعبان أدبر مرعوباً يسعى أي: يسرع في مشيته. قال الحسن رضي الله عنه: كان رجلاً طياشاً خفيفاً، وتولى عن موسى عليه السلام يسعى ويجتهد في مكايدته، أو أريد: ثم أقبل يسعى كما تقول: أقبل فلان يفعل كذا بمعنى أنشأ يفعل، فوضع أدبر موضع أقبل لئلا يوصف بالإقبال.
(١٣/٣٤٦)
---