﴿ونهى النفس﴾ أي: الأمارة بالسوء ﴿عن الهوى﴾ وهو اتباع الشهوات وزجرها عنها وضبطها بالصبر والتوطين على إيثار الخير.
﴿فإنّ الجنة﴾ أي: البستان لكل ما يشتهى ﴿هي﴾ أي: خاصة ﴿المأوى﴾ أي: ليس له سواها مأوى، وحاصل الجواب أنّ العاصي في النار والطائع في الجنة. قال الرازي: هذان الوصفان مضادان للوصفين المتقدّمين فقوله تعالى: ﴿فأما من خاف مقام ربه﴾ ضد قوله تعالى: ﴿فأما من طغى﴾. ﴿ونهى النفس عن الهوى﴾ ضد قوله تعالى: ﴿وآثر الحياة الدنيا﴾ فكما دخل في ذينك الوصفين جميع القبائح دخل في هذين الوصفين جميع الطاعات. وقال عبد الله بن مسعود: أنتم في زمان يقود الحق الهوى، وسيأتي زمان يقود الهوى الحق، فتعوّذوا بالله من ذلك الزمان.
(١٣/٣٥١)
---
تنبيه: اختلف في سبب نزول هاتين الآيتين، فقيل: نزلتا في مصعب بن عمير وأخيه. روى الضحاك عن ابن عباس قال: ﴿أمّا من طغى﴾ فهو أخو مصعب بن عمير أسر يوم بدر وأخذته الأنصار فقالوا: من أنت، قال: أنا أخو مصعب بن عمير فلم يشدّوه في الوثاق وأكرموه وبيتوه عندهم فلما أصبحوا حدّثوا مصعب بن عمير حديثه، فقال: ما هو لي بأخ شدّوا أسيركم، فإنّ أمّه أكثر أهل البطحاء حلياً ومالاً، فأوثقوه حتى تبعث أمّه فداءه، ﴿وأمّا من خاف مقام ربه﴾ فمصعب بن عمير وقى رسول الله ﷺ بنفسه يوم أحد حين تفرق الناس عنه حتى نفذت المشاقص في جوفه، والمشاقص جمع مشقص وهو السهم العريض، فلما رآه ﷺ متشحطاً في دمه قال ﷺ «عند الله أحتسبك» وقال ﷺ لأصحابه: «لقد رأيته وعليه بردان ما تعرف قيمتهما وإنّ شراك نعله من ذهب» وعن ابن عباس أيضاً: نزلت في رجلين أبي جهل بن هشام ومصعب بن عمير. وقال السدي: نزلت الآية الثانية في أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وقال الكلبي: هما عامّتان.