ولأنه ﷺ قد استفرغ مجهوده في تذكيرهم، وما كانوا يزيدون على زيادة الذكرى إلا عتوّاً وطغياناً، وكان ﷺ يتلظى حسرة وتلهفاً ويزداد جهداً في تذكيرهم، وحرصاً عليه فقيل: إن نفعت الذكرى وذلك بعد إلزام الحجة بتكرير التذكير. وقيل: إن بمعنى إذ كقوله تعالى: ﴿وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين﴾ (آل عمران: ١٣٩)
وقيل: بعده شيء محذوف تقديره إن نفعت الذكرى وإن لم تنفع. كقوله تعالى: ﴿سرابيل تقيكم الحرّ﴾ (النحل: ٨١)
أي: البرد وقاله الفراء والنحاس. وقيل: إن بمعنى ما لا بمعنى الشرط لأنّ الذكرى باقية بكل حال.
ثم بين تعالى من تنفعه الذكرى بقوله سبحانه.
﴿سيذكر﴾ أي: بوعد لا خلف فيه ﴿من يخشى﴾ أي: يخاف الله تعالى فهي كآية ﴿فذكر بالقرآن من يخاف وعيد﴾ (ق: ٤٥)
وإن كان النبيّ ﷺ يجب عليه تذكيرهم نفعتهم الذكرى أم لم تنفعهم. وقال ابن عباس: نزلت في ابن أمّ مكتوم. وقيل: في عثمان بن عفان. قال الماوردي: وقد تذكر من يرجوه إلا أن تذكر الخاشع أبلغ فلذلك علقها بالخشية دون الرجاء. وقال القشيري: المعنى: عمم أنت بالتذكير والوعظ وإن كان الوعظ إنما ينفع من يخشى، ولكن يحصل لك ثواب الدعاء. فإن قيل: التذكير إنما يكون بشيء قد علم، وهؤلاء لم يزالوا كفاراً معاندين أجيب: بأنّ ذلك لظهوره وقوّة دليله، كأنه معلوم لكنه يزول بسبب التقليد والفساد.
تنبيه: السين في قوله تعالى: ﴿سيذكر﴾ يحتمل أن تكون بمعنى سوف، وسوف من الله تعالى واجب كقوله تعالى: ﴿سنقرئك فلا تنسى﴾ ويحتمل أن يكون المعنى: أنّ من خشي فإنه يتذكر وإن كان بعد حين بما يستعمله من التدبر والنظر.
(١٣/٤٣٣)
---
ولما بين تعالى من ينتفع بالذكرى بين من لا ينتفع بها بقوله تعالى:
﴿ويتجنبها﴾ أي: الذكرى أن يتركها جانباً لا يلتفت إليها ﴿الأشقى﴾.