والمعنيان متقاربان، قال ابن عباس: كانت اليهود يأتون رسول الله ﷺ فيسألونه عن الأمر فيخبرهم ويرى أنهم يأخذون بقوله، فإذا انصرفوا من عنده حرّفوا كلامه ﴿ويقولون﴾ للنبيّ ﷺ إذا أمرهم ﴿سمعنا﴾ قولك ﴿وعصينا﴾ أمرك ﴿واسمع غير مسمع﴾ بمعنى الدعاء أي: لا سمعت بصمم أو بموت، أو بمعنى اسمع منا ولا نسمع منك، أو بمعنى اسمع غير مسمع كلاماً ترضاه ﴿و﴾ يقولون له: ﴿راعنا﴾ يريدون به النسبة إلى الرعونة وقد نهى عن خطابه ﷺ بها وهي كلمة سب بلغتهم ﴿لياً﴾ أي: تحريفاً ﴿بألسنتهم﴾ أي: يحرفون ما يظهرون من الدعاء والتوقير إلى ما يضمرونه من السب والتحقير نفاقاً ﴿وطعناً﴾ أي: قدحاً ﴿في الدين﴾ أي: الإسلام ﴿ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا﴾ بدل وعصينا ﴿واسمع﴾ أي: فقط ﴿وانظرنا﴾ أي: انظر إلينا بدل راعنا ﴿لكان خيراً لهم﴾ مما قالوه ﴿وأقوم﴾ أي: أعدل وأصوب ﴿ولكن لعنهم الله﴾ أي: أبعدهم عن رحمته ﴿بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً﴾ أي: إيماناً قليلاً لا يعبأ به وهو الإيمان ببعض الآيات والرسل ويجوز أن يراد بالقلة العدم أو إلا نفراً قليلاً منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه.
(٢/٢٤٢)
---
﴿ياأيها الذين أوتوا الكتاب﴾ يخاطب اليهود ﴿آمنوا بما نزلنا﴾ أي: القرآن ﴿مصدّقاً لما معكم﴾ أي: التوراة وذلك أنّ النبيّ ﷺ كلم أحبار اليهود عبد الله بن صوريا وأصحابه وكعب بن أسد وقال: «يا معشر اليهود اتقوا الله وأسلموا فوالله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحق» قالوا: ما نعرف ذلك وانصرفوا على الكفر فنزلت ﴿من قبل أن نطمس وجوهاً﴾ أي: نمحو تخطيط صورها من عين وحاجب وأنف وفم ﴿فنردّها على أدبارها﴾ أي: فنجعلها كالأقفاء مطموسة مثلها أو ننكسها إلى ورائها في الدنيا أو في الآخرة.