روي أنّ ثوبان مولى رسول الله ﷺ كان شديد الحب لرسول الله ﷺ قليل الصبر عنه فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه يعرف الحزن في وجهه فقال له رسول الله ﷺ «ما غير لونك؟» فقال: يا رسول الله ما بي مرض ولا وجع غير أني إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة وأخاف أن لا أراك؛ لأنك ترفع مع النبيين وإني إن دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبداً فأنزل الله تعالى
﴿ومن يطع الله﴾ في امتثال أوامره والوقوف عند زواجره ﴿والرسول﴾ أي: في كل ما أراده فإن منصب الرسالة يقتضي ذلك لا سيما من بلغ نهايتها ﴿فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم﴾ أي: معدود من حزبهم، فهو بحيث إذا أراد زيارتهم أو رؤيتهم وصل إليهم بسهولة، وقوله تعالى: ﴿من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين﴾ بيان للذين حال منه أو من ضميره، قسمهم أربعة أقسام بحسب منازلهم في العلم والعمل وحث كافة الناس على أن لا يتأخروا عنهم، وهم الأنبياء الفائزون بكمال العلم والعمل المتجاوزون حدّ الكمال إلى درجة التكميل، ثم الصدّيقون الذين صعدت نفوسهم تارة بمراقي النظر في الحجج والآيات وأخرى بمعارج التصفية والرياضات إلى أوج العرفان حتى اطلعوا على الأشياء وأخبروا عنها على ما هي عليه، ثم الشهداء الذين أدّى بهم الحرص على الطاعة والجدّ في إظهار الحق حتى بذلوا مهجتهم في إعلاء كلمة الله تعالى، ثم الصالحون الذين صرفوا أعمارهم في طاعته وأموالهم في مرضاته ﴿وحسن﴾ أي: وما أحسن ﴿أولئك﴾ أي: العالون الأخلاق السابقون ﴿رفيقاً﴾ من الرفق وهو لين الجانب ولطافة الفعل، وهو مما يستوي واحده وجمعه أي: رفيقاً في الجنة بأن يستمتع فيها برؤيتهم ورؤيا ربهم والحضور معهم وإن كان مقرّهم في درجات عالية بالنسبة إلى غيرهم.
(٢/٢٦٠)
---


الصفحة التالية
Icon