(١/٧٠)
---
يتولد من اجتماعهما أنواع الثمار، وهو تعالى قادر على أن يوجد الأشياء كلها بلا أسباب ومواد كما أبدع نفوس الأسباب والموادّ، ولكن له في إنشائها مرتقياً من حال إلى حال صنائع وحكم يجدد فيها لأولي الأبصار عبراً وسكوناً إلى عظيم قدرته ليس ذلك في إيجادها دفعة.
تنبيه: من الأولى للابتداء ومن الثانية للتبعيض بدليل قوله تعالى: ﴿فأخرجنا به ثمرات﴾ (فاطر، ٢٧) لأنّ ثمرات جمع قلة منكر واكتناف المنكرين لها أعني ماء ورزقاً كأنه تعالى قال: وأنزلنا من السماء بعض الماء فأخرجنا به بعض الثمرات ليكون بعض رزقكم، وهذا التبعيض هو الموافق للواقع إذ لم ينزل من السماء الماء كله ولا أخرج بالمطر كل الثمرات ولا جعل بالمطر كل المرزوق، ويصح أن تكون من الثانية للتبيين ورزقاً مفعول وهو المبين بمعنى المرزوق كقول القائل: أنفقت من الدراهم ألفاً، فإن من الدراهم بيان لقوله عقبه ألفاً.
فإن قيل: المحلّ محلّ جمع الكثرة فكيف أتى بجمع القلة؟ أجيب: بأنّ الجموع يتناوب بعضها موقع بعض كقوله تعالى: ﴿كم تركوا من جنات﴾ (الدخان، ٢٥) وأوقع جمع القلة موقع جمع الكثرة بدليل ذكركم وكقوله تعالى: ﴿ثلاثة قروء﴾ (البقرة، ٢٣٨) فأوقع جمع الكثرة موضع جمع القلة لأن مميز الثلاثة لا يكون إلا جمع قلة أو لأنّ الثمرات لما كانت محلاة باللام خرجت عن حدّ القلة ﴿فلا تجعلوا أنداداً﴾ أي: شركاء في العبادة.
فإن قيل: لم سمي ما يعبده المشركون من دون الله أنداداً مع أنهم ما زعموا أنها تساويه في ذاته وصفاته ولا أنها تخالفه في أفعاله؟ أجيب: بأنهم لما تركوا عبادته إلى عبادتها وسموها آلهة شابهت حالهم حال من يعتقد أنها ذوات واجبة بالذات قادرة على أنها تدفع عنهم بأس الله وتمنحهم ما لم يرد الله بهم من خير فتهكم الله تعالى بهم وشنع عليهم بأن جعلوا أنداداً لمن يمتنع أن يكون له ندّ ولذلك قال موحد الجاهلية زيد بن عمرو بن نفيل حين فارق دين قومه:
(١/٧١)
---