فإن قيل: الصدق لا يتفاوت كالعلم إذ لا يقال: هذا الصدق أصدق من هذا الصدق كما لا يقال: هذا العلم أعلم من هذا المعلم، أجيب: بأنّ الصدق صفة للقائل لا صفة للحديث أي: لا أحد غير الله أصدق منه؛ لأنّ غيره يتطرّق إلى خبره الكذب، وذلك مستحيل في حقه تعالى، والأنبياء مخبرون عن الله تعالى، وقرأ حمزة والكسائيّ بإشمام الصاد أي: بحرف متولد بين الصاد والزاي ﴿فما لكم﴾ أي: فما شأنكم صرتم ﴿في المنافقين﴾ أي: في أمرهم ﴿فئتين﴾ أي: فرقتين ولم تتفقوا على كفرهم وذلك أن ناساً منهم استأذنوا رسول الله ﷺ في الخروج إلى البدو لاجتواء المدينة فلما خرجوا لم يزالوا راحلين مرحلة مرحلة حتى لحقوا المشركين، فاختلف المسلمون في إسلامهم، وقال مجاهد: هم قوم خرجوا إلى المدينة وأسلموا، ثم استأذنوا رسول الله ﷺ في الخروج إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها فخرجوا وأقاموا بمكة، واختلف المسلمون فيهم فقائل يقول: هم منافقون، وقائل يقول: هم مؤمنون، وقال قوم: في الذين تخلفوا يوم أحد من المنافقين، فلما رجعوا قال بعض الصحابة لرسول الله ﷺ اقتلهم فإنهم منافقون، وقال بعضهم: اعف عنهم فإنهم تكلموا بالإسلام.
﴿وا أركسهم﴾ أي: نكسهم بأن صيرهم إلى النار أو ردّهم إلى حكم الكفرة ﴿بما كسبوا﴾ من الكفر والمعاصي ﴿أتريدون أن تهدوا من أضلّ الله﴾ أي: أتعدّونهم من جملة المهتدين والاستفهام في الموضعين للإنكار ﴿ومن يضلل الله﴾ أي: ومن يضله الله ﴿فلن تجد له سبيلاً﴾ أي: طريقاً إلى الهدى.
﴿ودّوا﴾ أي: تمنوا ﴿لو تكفرون كما كفروا فتكونون﴾ أنتم وهم ﴿سواء﴾ في الكفر.
(٢/٢٧٥)
---
تنبيه: قوله تعالى: ﴿فتكونون﴾ لم يرد به جواب التمني؛ لأنّ جوابه بالفاء منصوب وإنما أراد النسق أي: ودّوا لو تكفرون وودّوا لو تكونون سواء مثل قوله: ﴿ودّوا لو تدهن فيدهنون﴾ (القلم، ٩)


الصفحة التالية
Icon