ولما أوجب الله السفر للجهاد والهجرة وكان مطلق السفر مظنة المشقة فكيف بسفرهما مع ما ينضم إلى المشقة فيهما من خوف الأعداء ذكر تخفيف الصلاة بالقصر بقوله تعالى:
﴿وإذا ضربتم﴾ أي: سافرتم ﴿في الأرض﴾ سفراً طويلاً لغير معصية، والطويل عند الشافعيّ رحمه الله تعالى أربعة برد وهي مرحلتان كما ثبت ذلك بالنسبة، وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ثلاثة أيام ولياليهنّ بسير الإبل ومشي الأقدام على القصد، وقوله تعالى: ﴿فليس عليكم جناح﴾ أي: إثم وميل في ﴿أن تقصروا من الصلاة﴾ أي: من أربع إلى ركعتين، وذلك في صلاة الظهر والعصر والعشاء يدل على جواز القصر دون وجوبه، ويؤيده أنه عليه الصلاة والسلام أتم في السفر كما رواه الشافعيّ وغيره.
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها: اعتمرت مع رسول الله ﷺ من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي قصرت وأتممت وصمت وأفطرت فقال: «أحسنت يا عائشة وما عاب عليّ» رواه الدارقطني وحسنه البيهقيّ وصححه، وكان عثمان رضي الله تعالى عنه: يتم ويقصر، وأوجب القصر أبو حنيفة لقول عمر رضي الله تعالى عنه: صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم، رواه النسائيّ وابن ماجة، ولقول عائشة رضي الله تعالى عنها: «أوّل ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين ركعتين فأقرّت في السفر وزيدت في الحضر» رواه الشيخان.
(٢/٢٩٣)
---


الصفحة التالية
Icon